أصبح المسافرون جواً يلاحظون بشكل متزايد أن الاهتزازات خلال الرحلات الجوية باتت أكثر تواتراً وحدّة. هذا الأمر ليس مجرد انطباع، بل تؤكده الدراسات العلمية الحديثة، إذ ارتفعت نسبة الاضطرابات الجوية "العنيفة" منذ سنة 1979 بنسبة 55% فوق المحيط الأطلسي الشمالي، و41% فوق أمريكا الشمالية، وحوالي 30% فوق أوروبا. ويرجع الخبراء هذه الظاهرة أساساً إلى التغيرات المناخية التي تؤثر على حركة التيارات النفاثة وتزيد من اضطراب الغلاف الجوي. أنواع الاضطرابات الجوية * اضطرابات الهواء الصافي (CAT): تحدث في ارتفاعات عالية عند مستوى التيارات النفاثة، وهي الأخطر لأنها غير مرئية. * الاضطرابات الأوروجرافية: ناتجة عن اصطدام الرياح بالجبال مثل الألب أو الأطلس. * الاضطرابات الحرارية: سببها صعود الهواء الساخن، وتكثر خلال العواصف الصيفية. * اضطرابات أثر الطائرات: تنتج عن مرور طائرة أخرى قريبة. ورغم أن هذه الاضطرابات نادراً ما تهدد سلامة الطائرات، إلا أنها قد تؤدي إلى إصابات خطيرة إذا لم يكن الركاب أو طاقم الطائرة مربوطين بأحزمة الأمان. ففي الولاياتالمتحدة سُجّل أكثر من 200 إصابة خطيرة منذ عام 2009. المتوسط وشمال إفريقيا تحت المراقبة تشهد منطقة حوض المتوسط، بما في ذلك تونس، زيادة تدريجية في هذه الظاهرة: * العواصف الصيفية: الحرارة المرتفعة فوق الصحراء والبحر تعزز التيارات الهوائية المفاجئة. * التضاريس: جبال الأطلس والألب والأبينيني تخلق اضطرابات أوروجرافية على بعض المسارات. * التيارات النفاثة الموسمية: خاصة في الشتاء والربيع، تسبب اضطرابات غير مرئية لكن محسوسة. ورغم أن شدتها تبقى أقل من تلك المسجلة فوق الأطلسي الشمالي، يتوقع الخبراء أن التغير المناخي سيجعلها أكثر تواتراً بالمنطقة. تونس في قلب التحديات باعتبارها محوراً جوياً بين إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط، فإن تونس معنية مباشرة بتزايد هذه الاضطرابات: * شركات الطيران الوطنية مثل الخطوط التونسية ونوفلار تسيّر رحلات عبر المتوسط حيث يزداد الاضطراب الجوي. * ارتفاع معدل الاضطرابات قد يزيد من تكاليف الصيانة، ويؤدي إلى تأخيرات أو تغيير المسارات. * يمثل الأمر تحدياً أمنياً يستدعي من سلطات الطيران المدني تكثيف التوعية للركاب بأهمية ربط الأحزمة طوال الرحلة. كيف يستعد قطاع الطيران؟ * تطوير رادارات وتقنيات متقدمة مثل الليدار (LIDAR) لرصد الاضطرابات غير المرئية. * تحسين التوقعات الجوية وتبادل البيانات بين الطيارين في الزمن الحقيقي. * فرض إجراءات أكثر صرامة لبقاء الركاب في مقاعدهم وربط الأحزمة. مستقبل أكثر اضطراباً؟ تشير توقعات علماء المناخ إلى أن بعض المسارات الجوية العالمية قد تشهد في العقود المقبلة زيادة تصل إلى أربع مرات في حدة الاضطرابات. أما في المتوسط، فالزيادة ستكون تدريجية لكنها مقلقة، خصوصاً أن المنطقة ترتفع حرارتها بمعدل أسرع ب1,5 مرة من المتوسط العالمي. الاضطرابات الجوية ليست ظاهرة جديدة، لكن تصاعدها أصبح حقيقة مؤكدة علمياً. وبالنسبة لتونس والمتوسط، التحدي يكمن في الجمع بين السلامة الجوية وراحة الركاب والتكيف التكنولوجي. السماء ستظل آمنة... لكنها بلا شك أكثر اهتزازاً. تعليقات