تتواصل موجة الغضب التي يقودها الشباب المغربي دون تراجع. فبعد أسابيع من المظاهرات في كبريات مدن المملكة، أعلنت حركة «الجيل Z» عن إطلاق حملة واسعة لمقاطعة اثنتي عشرة شركة تابعة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش. هذه المبادرة، التي وُلدت على شبكات التواصل الاجتماعي، تجسّد تحوّل الحراك الرقمي إلى قوة اجتماعية منظمة. من الاحتجاج الافتراضي إلى الشارع بدأت الحركة على منصة "ديسكورد" قبل أن تنتقل إلى الميدان، حيث نددت بتدهور الخدمات العمومية في قطاعي الصحة والتعليم. ورغم قرار المنع الذي أصدرته وزارة الداخلية واعتقال مئات المتظاهرين (أُفرج عن أغلبهم لاحقًا)، تواصلت الاحتجاجات في أجواء مشحونة رافقتها تجاوزات محدودة. لاحقًا سمحت السلطات بالتجمعات السلمية، في حين دعا أخنوش إلى "حوار مؤسساتي". غضب متصاعد ومطالب بالاستقالة لكن تصريحات رئيس الحكومة لم تُهدّئ الشارع، بل زادت من حدة الغضب. فقد طالب المتظاهرون الشباب باستقالة الحكومة، وأعلنوا تعليق تحركاتهم مؤقتًا يوم الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية، «احترامًا لرمزية المؤسسة الملكية»، حسب بيانهم، مؤكدين في الوقت نفسه عزمهم على مواصلة النضال. من الإصلاحات الاجتماعية إلى مواجهة احتكار السلطة والمال تحولت مطالب الحركة من الدعوة إلى إصلاحات اجتماعية إلى اتهام مباشر لما وصفوه ب«زواج المال بالسلطة». وتشمل حملة المقاطعة اثنتي عشرة شركة تابعة لمجموعة «أكوا» المملوكة لعزيز أخنوش، الناشطة في قطاعات الطاقة، والصناعات الغذائية، والفنادق، والإعلام. ويتهم المحتجون رئيس الحكومة بتجسيد حالة احتكار تتعارض مع مبادئ المنافسة النزيهة. شبهات تضارب المصالح منذ توليه رئاسة الحكومة سنة 2021، واجه أخنوش اتهامات متكررة بتضارب المصالح. فقد كشفت الصحافة المغربية عن مشاركة شركاته في مشاريع عمومية، منها محطة تحلية مياه البحر في الدار البيضاء، التي فاز بها ائتلاف يضم شركتين من مجموعته. إلا أن أخنوش نفى أي تجاوزات مؤكداً أن «إجراءات المناقصة جرت في شفافية تامة». تأثير محدود على البورصة حتى الآن، لم تُحدث حملة المقاطعة تأثيرًا كبيرًا على الأسواق المالية، إذ بقيت أسهم شركتي «أفريقيا غاز» و«مغرب أوكسيجين» مستقرة نسبيًا، مع تراجع طفيف للأخيرة بنسبة 0.10%. ويرى محللون أن هذه التحركات تبقى في نطاق تقلبات السوق الطبيعية. وأشار الخبير المالي هشام بن لامين إلى أن «مغرب أوكسيجين» غير موجهة مباشرة للمستهلكين، إذ تتركز أنشطتها على تزويد القطاعات الصناعية والطبية بالأوكسجين. لكنه حذّر من أن استمرار التعبئة الشعبية قد يؤثر اقتصاديًا على «أفريقيا غاز» الأكثر ارتباطًا بالطلب العام. سابقة 2018 والشكوك حول فاعلية المقاطعة تُذكّر هذه الحملة بسابقة سنة 2018 حين أطلقت حملة مشابهة ضد محطات الوقود التابعة لنفس المجموعة، ما أدى إلى تراجع سهمها بنسبة 5.5% وتكبّدها خسائر مالية كبيرة. غير أن خبراء اقتصاديين، على غرار إدريس فينة رئيس «المركز المستقل للدراسات الاستشرافية»، يرون أن هذه الحملة الجديدة «قد تفقد زخمها سريعًا» بسبب غياب توافق وطني حول أهدافها، معتبرًا أن «الخلط بين المطالب الاجتماعية والهجمات على المصالح الاقتصادية الخاصة يُظهر نقصًا في النضج السياسي ويُضعف مصداقية الحركة». جدل حول شرعية المقاطعة يبقى الجدل قائمًا حول شرعية المقاطعة كأداة نضال مدني بين من يرى فيها وسيلة لمناهضة تركّز السلطة الاقتصادية والسياسية، ومن يخشى انزلاقها نحو حركة قطيعة. وفي كل الأحوال، يفرض الجيل Z نفسه اليوم كفاعل جديد في المشهد السياسي والاجتماعي المغربي. تعليقات