يكشف التحول الواضح في تركيبة رقاع الخزينة في تونس عن تغير في سلوك المستثمرين وتفضيلاتهم. فرقاع الخزينة القابلة للتنظير تحظى بإقبال متزايد من المستثمرين بفضل ما توفره من استقرار وسيولة عالية في السوق المالية. وتتيح هذه الأدوات للمستثمرين مرونة أكبر في إدارة محافظهم الاستثمارية، كما أنها تعكس الثقة في قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها على المدى المتوسط والطويل. من جهة أخرى، يشير انخفاض الرقاع قصيرة الأجل إلى رغبة الحكومة في تخفيف الضغوط المالية الفورية والابتعاد عن الأدوات الأكثر كلفة. وشهدت البلاد تطوراً ملحوظاً في مؤشراتها المالية خلال الأشهر الاخيرة، حيث سجلت رقاع الخزينة نمواً لافتاً يعكس التحولات الجارية في استراتيجية التمويل العمومي. تباين في التوظيف الاستثماري وفقاً لبيانات صادرة عن البنك المركزي التونسي، بلغ إجمالي قائم رقاع الخزينة حوالي من 31.6 مليار دينار في 21 اكتوبر2025، مسجلاً ارتفاعاً سنوياً بنسبة 8.5% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. ويشير هذا الارتفاع إلى تزايد اعتماد الدولة على هذه الأدوات المالية لتغطية احتياجاتها التمويلية وسد الفجوة بين الإيرادات والنفقات العامة. يبرز تفحص الأرقام بدقة، وجود تباين كبير في أداء الفئات المختلفة من رقاع الخزينة. فقد شهدت رقاع الخزينة قصيرة الأجل تراجعاً حاداً، إذ انخفض قائمها من 10.2 مليار دينار إلى 3.0 مليار دينار فقط، أي بنسبة تراجع بلغت 70.5% خلال عام واحد. ويعكس هذا الانخفاض الملموس توجهاً واضحاً نحو تقليص الاعتماد على أدوات الدين قصيرة الأجل، التي غالباً ما تكون مصحوبة بأعباء مالية أكبر بسبب معدلات الفائدة المرتفعة نسبياً. في المقابل، واصلت رقاع الخزينة القابلة للتنظير مسارها التصاعدي بقوة، حيث ارتفع رصيدها من 18.9 مليار دينار إلى 28.6 مليار دينار، محققة زيادة ملحوظة قدرها %51. تحكم في قائم الدين العمومي يمثل إجمالي قائم رقاع الخزينة مؤشراً أساسياً لقياس حجم الدين العمومي ومستوى ثقة المستثمرين في الوضع المالي للبلاد. وتعكس الزيادة الإجمالية في الرصيد احتياج الدولة المتنامي للسيولة المالية لتمويل مشاريعها وتسيير شؤونها العامة. غير أن التحول الملحوظ نحو الرقاع القابلة للتنظير يشير إلى محاولة لتحسين تركيبة الدين العمومي واختيار أدوات تمويل أقل كلفة وأكثر استدامة. ومن المنتظر ان يساهم هذا التوجه في تخفيف الأعباء المالية المستقبلية على الخزينة العامة، رغم أن الارتفاع المستمر في حجم الاقتراض يظل نقطة تستوجب المتابعة والتحليل الدقيق من قبل الخبراء الاقتصاديين والمراقبين الماليين. هذا وتُظهر المؤشرات المالية أن الدين العمومي يتكون 57% منه، أي ما يعادل 77 مليار دينار، من قروض داخلية في حين تمثل القروض الخارجية 43% من الدين العام بقيمة 58.1 مليار دينار. وفيما يتعلق بكلفة خدمة الدين، فقد شهدت ارتفاعًا ملحوظًا، حيث بلغت 9 مليارات دينار مع نهاية مارس 2025، أي بزيادة بنسبة 26% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2024، والتي سجلت آنذاك 7.2 مليارات دينار. وتوزعت هذه الكلفة بين 7.4 مليارات دينار خُصصت لسداد أصل الدين، بزيادة سنوية كبيرة بلغت 38.6%، في حين تراجعت كلفة الفوائد بنسبة 10.4% لتستقر عند 1.6 مليار دينار. تعليقات