شهدت تونس تطوراً ملحوظاً في مؤشراتها المالية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري 2025، حيث سجلت سندات الخزينة نمواً لافتاً يعكس التحولات الجارية في استراتيجية التمويل العمومي. وفقاً للبيانات الصادرة عن البنك المركزي التونسي، بلغ إجمالي رصيد سندات الخزينة أكثر من 31.5 مليار دينار في نهاية سبتمبر 2025، مسجلاً ارتفاعاً سنوياً بنسبة 15.8% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. ويشير هذا الارتفاع إلى تزايد اعتماد الدولة على هذه الأدوات المالية لتغطية احتياجاتها التمويلية وسد الفجوة بين الإيرادات والنفقات العامة. تباين واضح بين أصناف السندات يبرز تفحص الأرقام بدقة، وجود تباين كبير في أداء الفئات المختلفة من سندات الخزينة. فقد شهدت سندات الخزينة قصيرة الأجل تراجعاً حاداً، إذ انخفض رصيدها من 10.52 مليار دينار إلى 3.02 مليار دينار فقط، أي بنسبة تراجع بلغت 71.3% خلال عام واحد. ويعكس هذا الانخفاض الملموس توجهاً واضحاً نحو تقليص الاعتماد على أدوات الدين قصيرة الأجل، التي غالباً ما تكون مصحوبة بأعباء مالية أكبر بسبب معدلات الفائدة المرتفعة نسبياً. في المقابل، واصلت سندات الخزينة القابلة للتنظير مسارها التصاعدي بقوة، حيث ارتفع رصيدها من 16.69 مليار دينار إلى 28.49 مليار دينار، محققة زيادة ملحوظة قدرها 70.6% . يكشف هذا التحول الواضح في تركيبة سندات الخزينة عن تغير في سلوك المستثمرين وتفضيلاتهم. فسندات الخزينة القابلة للتنظير تحظى بإقبال متزايد من المستثمرين بفضل ما توفره من استقرار وسيولة عالية في الأسواق المالية. وتتيح هذه الأدوات للمستثمرين مرونة أكبر في إدارة محافظهم الاستثمارية، كما أنها تعكس الثقة في قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها على المدى المتوسط والطويل. من جهة أخرى، يشير انخفاض السندات قصيرة الأجل إلى رغبة الحكومة في تخفيف الضغوط المالية الفورية والابتعاد عن الأدوات الأكثر كلفة. دلالات وافاق يمثل إجمالي رصيد سندات الخزينة مؤشراً أساسياً لقياس حجم الدين العمومي ومستوى ثقة المستثمرين في الوضع المالي للبلاد. وتعكس الزيادة الإجمالية في الرصيد احتياج الدولة المتنامي للسيولة المالية لتمويل مشاريعها وتسيير شؤونها العامة. غير أن التحول الملحوظ نحو السندات القابلة للاستبدال يشير إلى محاولة لتحسين تركيبة الدين العمومي واختيار أدوات تمويل أقل كلفة وأكثر استدامة. ومن المنتظر ان يساهم هذا التوجه في تخفيف الأعباء المالية المستقبلية على الخزينة العامة، رغم أن الارتفاع المستمر في حجم الاقتراض يظل نقطة تستوجب المتابعة والتحليل الدقيق من قبل الخبراء الاقتصاديين والمراقبين الماليين. هذا وتُظهر المؤشرات المالية أن الدين العمومي يتكون 57% منه، أي ما يعادل 77 مليار دينار، من قروض داخلية في حين تمثل القروض الخارجية 43% من الدين العام بقيمة 58.1 مليار دينار. وفيما يتعلق بكلفة خدمة الدين، فقد شهدت ارتفاعًا ملحوظًا، حيث بلغت 9 مليارات دينار مع نهاية مارس 2025، أي بزيادة بنسبة 26% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2024، والتي سجلت آنذاك 7.2 مليارات دينار. وتوزعت هذه الكلفة بين 7.4 مليارات دينار خُصصت لسداد أصل الدين، بزيادة سنوية كبيرة بلغت 38.6%، في حين تراجعت كلفة الفوائد بنسبة 10.4% لتستقر عند 1.6 مليار دينار. تعليقات