الإمارات العربية المتحدة – إلى جانب المملكة العربية السعودية – تشعل النار في اليمن بتسليح الفصائل السنيّة وقصف الحوثيين ذوي الانتماء الشيعي، وها هي اليوم تغذّي نيران الحرب في السودان عبر دعمها لقوات الدعم السريع (RSF). تلك الحرب الأخوية المنسية التي حصدت عشرات الآلاف من الأرواح، عادت أمس الخميس 30 أكتوبر إلى طاولة مجلس الأمن الدولي، لتسلّط الأضواء للحظات على المأساة الإنسانية في السودان، قبل أن يعيدها العالم مجدداً إلى دائرة النسيان. أعرب مجلس الأمن عن «قلقه العميق» إزاء التصعيد في السودان – وهو تصعيد مستمر منذ عام 2023. وقال رئيس العمليات الإنسانية في الأممالمتحدة إن هناك «معلومات موثوقة عن عمليات إعدام جماعية» في مدينة الفاشر، التي سقطت الأحد الماضي في أيدي قوات الدعم السريع بعد حصار دام 18 شهراً. إنها هزيمة جديدة للجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي لما تبقّى من الدولة السودانية. و منذ اندلاع هذا الصراع الدموي قبل أكثر من عامين ونصف، يتبادل كلّ من الخرطوموأبوظبي الاتهامات، وقد عادت المواجهة الكلامية بينهما إلى الواجهة مجدداً أمس في أروقة الأممالمتحدة. مواجهة مباشرة بين الخرطوموأبوظبي داخل مجلس الأمن صرّح ممثل الإمارات الدائم لدى الأممالمتحدة، محمد أبو شهاب، بأن بلاده تموّل إعادة إعمار مدينة الفاشر المنكوبة، في حين أن القوات التي دمّرتها – قوات الدعم السريع المدعومة إماراتياً – قتلت آلاف المدنيين في أيام قليلة. و تحدث الدبلوماسي الإماراتي عن «تضامن إنساني»، الأمر الذي أثار غضب المندوب السوداني الدائم لدى الأممالمتحدة، الحارث إدريس، الذي شنّ هجوماً لاذعاً. قال إدريس : «سيدي الرئيس، ليست هناك حرب أهلية في السودان، بل عدوان تشنّه الإمارات العربية المتحدة عبر وكيلها المحلي، قوات الدعم السريع. أن يتحدث هذا المندوب عن السودان وكأنه تحت وصاية أبوظبي، فهذا إهانة لمجلسكم الموقر وازدراء للشعب السوداني ومعاناته. كيف يمكن لدولةٍ كهذه أن تتحدث عن السلام، وهي تمدّ القتلة بالسلاح وتمنحهم الوعود بالسلطة، وتسعى لتقسيم البلاد ونهب ثرواته وذهبه؟». رد إماراتي دفاعي لم يجد محمد أبو شهاب بُداً من الرد على هذا الاتهام العنيف، فقال : «من العبث أن يستغلّ أحد أطراف النزاع هذا المنبر لترويج مزاعم لا أساس لها. القوات المسلحة السودانية هي من ابتعدت عن مسار وقف إطلاق النار، رغم جهود مجموعة الرباعية (الولاياتالمتحدة ودول أخرى) ورغم الدعم المستمر من الإمارات. لقد كان بالإمكان تفادي هذا التصعيد، لكن تعنّت الجيش هو ما أوصل البلاد إلى هذه الكارثة». بين روايتين... والمأساة مستمرة كلمة ضد كلمة، والحقّ – على الأرجح – يقع في المسافة الغامضة بين الروايتين. لكن الحقيقة المؤلمة تبقى أن المدنيين هم الضحايا الحقيقيون في هذا الصراع على السلطة بين الجنرال عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق، زعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي). إنها حرب وجودٍ بين جنرالين لا يترددان في إحراق ما تبقّى من بلادهم في سبيل الحكم. بعد أربعة أيام على سقوط الفاشر، قال رئيس العمليات الإنسانية في الأممالمتحدة، توم فليتشر، إن المدينة «غرقت في جحيمٍ أكثر ظلاماً»، حيث تتزايد أعداد القتلى والمشرّدين في ظلّ صمتٍ دولي مطبق، لا يوازيه سوى صوت الدولار الذي يعلو على أنين الضحايا. تعليقات