تونس الصباح بمناسبة مرور عشر سنوات على رحيل العلامة الزيتوني الشيخ محمد الشاذلي النيفر نظم المجمّع التونسي للعلوم والآداب والفنون (بيت الحكمة) بالتعاون مع الجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي ومكتبة آل النيفر يوما دراسيا بتاريخ امس الاول الاثنين 12 ماي 2008 اشتمل على جلستين علميتين: واحدة صباحية والثانية مسائية حاضر خلالها عدد كبير من الاساتذة والباحثين الاكاديميين من تونسوالجزائر والمغرب حول فكر وشخصية وعلم الشيخ الراحل بوصفه لا فقط عالما ومربيا وباحثا وفقيها بل وايضا بوصفه شخصية وطنية بارزة كان لها دورها في حركة الاصلاح والنضال الوطني من أجل الاستقلال وبناء الدولة الوطنية الحديثة. الجلسة الافتتاحية الدكتور عبد الوهاب بوحديبة هو من اعطى اشارة انطلاق هذا اليوم الدراسي وذلك من خلال كلمة تقديمية وصف فيها الشيخ الراحل محمد الشاذلي النيفر بانه احد علماء تونس وأحد اعلام الزيتونة المنارة العلمية التي صاغت والكلام له الشخصية التونسية في كل مظاهرها الثقافية والعلمية والسياسية.. معتبرا ان تخصيص يوم دراسي لتناول جوانب من جهود وفكر الشيخ محمد الشاذلي النيفر يعدّ بمثابة فعل انصاف لشخصية وطنية ساهمت مساهمة كبيرة في صياغة تاريخ تونس الحاضر في مختلف جوانبه العلمية والثقافية والتربوية والسياسية. بدوره وصف الدكتور كمال عمران رئيس الجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي في كلمته التقديمية وصف الشيخ محمد الشاذلي النيفر بانه علم من اعلام الزيتونة الذين رفعوا لواء العلم والمعرفة معتبرا ان تخصيص يوم دراسي اكاديمي له يمثل عنوان وفاء لعلماء كانوا في مستوى الرسالة العلمية التي حملوها وفي مستوى مسؤولية العمل بها. الجلسة العلمية الاولى الجلسة العلمية الاولى من هذا اليوم الدراسي ترأس اشغالها سماحة الشيخ محمد المختار السلامي الذي أبى الا ان يمهد لها بمداخلة بليغة ارتجلها نزل من خلالها جهود الشيخ العلامة محمد الشاذلي النيفر في نشر العلم في سياق المسار التاريخي الذي عرّفته بلادنا (افريقية) منذ بعثة الفقهاء العشر التي ارسلها الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز لنشر العلم في هذه الربوع.. فالشيخ العلامة محمد الشاذلي النيفر هو امتداد لهؤلاء.. شخصية الشيخ محمد الشاذلي النيفر ذلك هو عنوان المداخلة الاولى وكانت بامضاء الاستاذ الطاهر النيفر (نجل الشيخ الشاذلي النيفر) وقد خصصها للحديث عن جوانب متعددة ومختلفة في شخصية العلامة الراحل الذي قال عنه بانه الى جانب كونه كان محققا وعالم ومؤلفا خلف مكتبة ثرية فانه كان ايضا ناشطا سياسيا دخل مبكرا حقل النشاط السياسي من أجل المساهمة في جهود النضال الوطني لنيل الاستقلال. وقد اتى الاستاذ المحاضر على ذكر عدد من المهام التي تكفّل بها الشيخ في هذا المجال مثل سفره الى المملكة العربية السعودية في نهاية اربعينات القرن المنقضي حاملا معه عريضتين صادرتين عن رموز الحركة الوطنية بتونس لابلاغهما الى الجامعة العربية من أجل ادراج القضية التونسية لدى الجامعة العربية. وكذلك سفره سنة 1951 مع الزعيم الحبيب بورقيبة لتبليغ صوت تونس في احد المؤتمرات الاسلامية التي انعقدت بباكستان. اما عن الشاذلي النيفر المحدّث والمحقق والمفكر فانها جوانب اخرى في شخصية ومسيرة هذا العالم الزيتوني الجليل تعرض لها تباعا كل من الاساتذة طه بوسريح الذي تحدهث في مداخلته عن الشاذلي النيفر محدثا مبرزا بالخصوص جهوده الكبيرة في مجال الاعتناء بالسنة النبوية اعتبارا لقيمة وضخامة مؤلفاته ودراساته حول علوم السنّة واعلامها مثل عنايته بموطأ الامام مالك ومدوّنة الامام سحنون وتقديمه لكتاب «المعلم بفوائد الامام مسلم» باجزائه الثلاثة. اما عن الشاذلي النيفر المحقق فقد قدم الاستاذ محمد الحبيب الهيلة مداخلة عن قيمة جهود الشيخ في هذا المجال العلمي والبحثي المضني والهام.. مؤكدز ان اعمال الشيخ في هذا المجال والتي أثمرت 15 عنوان اهمها واولها تحقيقه لكتاب «المعلم بفوائد الامام مسلم» كانت اعمالا لا تتسم اكاديميا بكل مواصفات التحقيق العلمي كما نجدها لدى أهل الاختصاص من ذوي الثقافة الجديدة. اما الاستاذ احميدة النيفر فقد تحدّث في مداخلته عن «قضايا الفكر والمجتمع عند الشيخ محمد الشاذلي النيفر» مبرزا ان هاجس الاهتمام بالقضايا الاجتماعية الراهنة والخارقة بدا حاضرا بصفة مبكرة في بعض كتابات ومحاضرات الشيخ بما فيها تلك التي عالج من خلالها مسائل فقهية.. وهو ما يدل على انه كان منتبها لما كان يعتمل من قضايا في العالم الاسلامي.. (انظر محاضرته عن محمد اقبال بتاريخ 1938). اشعاع مغاربي أما الاستاذان عبد الهادي التازي (المغرب) وعمار الطالبي (الجزائر) فانهما تحدثا عن الجهود العلمية للشيخ الشاذلي النيفر مغاربيا. ففي مداخلته التي وضعها تحت عنوان «خاتمة الذين اهتموا بصحيح مسلم من المغاربة» تحدث الدكتور عبد الهادي التازي عن القيمة العلمية الكبيرة للدراسات التي أمضاها الشيخ الشاذلي النيفر في اطار اهتمامه واعتنائه بكتاب صحيح مسلم مؤكدا انه يعد احد المراجع الكبرى في هذا الاطار. اما الدكتور عمار الطالبي (من الجزائر) فانه تعرض في مداخلته للجهود العلمية الهامة والنوعية للشيخ الشاذلي النيفر التي كانت تعكسها مساهماته العشر في ملتقيات الفكر الاسلامي بالجزائر.. واصفا اياه بانه «أحد الائمة الكبار الذين اخذ عنهم الجزائريون وتتلمذوا على ايديهم في مجال العلوم الشرعية». شهادات الاساتذة الشاذلي القليبي ومصطفى الفيلالي وزكريا بن مصطفى كانوا من بين الشخصيات الوطنية السياسية التي حضرت وتابعت اشغال الجلسة العلمية الاولى من هذا اليوم الدراسي في الذكرى العاشرة لوفاة الشيخ العلامة محمد الشاذلي النيفر وقد أدلوا بشهاداتهم حول شخصية وجهود الشيخ الراحل لكونهم عاصروه وتتلمذوا عنه في المدرسة الصادقية. كان متفتحا على العصر الاستاذ الشاذلي القليبي اكد في شهادته على القيمة العلمية والوطنية للدروس التي كان يلقيها الشيخ الشاذلي النيفر على تلامذته المدرسيين من غير الزيتونيين بفضاء واقسام المدرسة الصادقية وهي دروس كان لها الفضل الكبير في تجذير الحس الوطني في نفوس تلامذته وجعلهم معتزين بهويتهم الثقافية الام.. هذا فضلا عن ان الشيخ كان احد ابرز اعلام الزيتونة الذين حاولوا واجتهدوا من أجل ان يكونوا متفتحين على العصر. أما الاستاذ زكريا بن مصطفى فقد تحدث في شهادته التي قدمها بوصفه أحد الذين تعرّفوا على الشيخ الشاذلي النيفر عن قرب في مناسبات مختلفة عن خصال الشيخ العلمية والانسانية وعن جهوده في مجال دعم العمل الجمعياتي بوصفه احد الذين دعموا جمعية «معالم ومواقع» التي يرأسها. الجلسة العلمية الثانية الجلسة العلمية الثانية من هذا اليوم الدراسي حول الشيخ العلامة محمد الشاذلي النيفر ترأس اشغالها الدكتور عبد الهادي التازي (من المغرب) وشهدت سبع مداخلات، اولها للأستاذ كمال عمران تحدّث فيها عن «فكرة التجديد عند الشيخ محمد الشاذلي النيفر» وهي محاضرة اثارت الانتباه لانها بدت نقدية وغير «مجاملة» اكد فيها الدكتور كمال عمران في البداية على اهمية «التجديد» باعتباره رحيق كل فكر في الثقافة العربية الاسلامية.. وذلك قبل ان تعرض لمفهوم التجديد في فكر الشيخ الشاذلي النيفر اعتمادا على مقال للشيخ منشور بمجلة «الهداية» التونسية بتاريخ ماي 1977.. يقول الدكتور كمال عمران «وقد تعرّض الشيخ الشاذلي النيفر لموضوع (التجديد في مقال له منشور بمجلة «الهداية» (ماي 1997) وحدد مفهومه على نحو جعله مقترنا بالعودة الى الجيل الاول وهو جيل النبي والصحابة والانسلاخ منه لمعالجة كل ما يطرأ من عوائق دون القرآن والسنّة كالبدع والمحدثات.. وليس التجديد عند الشيخ الشاذلي النيفر اضافة او زيادة او اجتهادا بقدرما هو جمع القوة الذهنية اخذا عن الاصل.. وقد حدد اجيالا في الثقافة الاسلامية منها جيل النبي والصحابة ومنها الجيل الذي ضعف الدين عنده ومنها الجيل الذي اضاع الدين لذلك فان الحاجة الى التجديد بالنسبة للجيلين الاخيرين تمحض لعمل اجتهادي يسعى الى تجاوز الاخطاء بالنهل من القرآن والسنّة. الاشكال في هذه الدعوة النابعة من رجل علم لا شك في علكه ومن رجل عمل لا شك في عمله في كونها ثرية بالقياس الى الماضي اي الى الاصل ولكنها تحتاج الى ثقافة تخاطب الناس في صميم المشكلات المطروحة لان التجديد عند الشيخ الشاذلي النيفر يبدو متشبعا بالقديم مفتقرا الى الثقافة المعاصرة وهي ما احتفل بها المثقف بدل الشيخ...» ايضا شهدت هذه الجلسة العلمية الثانية مجموعة مداخلات اخرى تعرض من خلالها اصحابها الى امثلة من فتاوى الشيخ محمد الشاذلي النيفر وهي محاضرة الدكتور فتحي القاسمي او الى مختارات من اشعار الشيخ وهو موضوع مداخلة الدكتور نور الدين صمود والتي جاءت بعنوان «الشيخ الشاذلي النيفر اديبا».. او مداخلة الاستاذ محمد المختار النيفر وقد جاءت بعنوان «الشيخ الشاذلي النيفر كما عرفته» او مداخلة الاستاذ برهان النفاتي حول «الشاذلي النيفر فقيها» او مداخلة الاستاذ محمد العزيز الساحلي حول «الشيخ محمد الشاذلي النيفر اماما وخطيبا». هذا فضلا عن شهادة قدمها الاستاذ محمد الكامل سعادة حول جهود الشيخ الشاذلي النيفر في مجال تدريس القرآن الكريم وحفظه..