يمكن القول إن إحياء ذكرى وفاة الشيخ محمد الشاذلي النيفر (1911-1997) التي انتظمت يوم الاثنين الفارط في "بيت الحكمة" بالتعاون مع الجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي ومكتبة آل النيفر، تندرج في إطار تكريس قيم ثقافة الإنصاف، لأن الراحل العلامة محمد الشاذلي النيفر شخصية متعددة الإسهامات والنبوغ ومن أبرز خريجي المعهد الزيتوني. ونعتقد أن الحديث عن أعلام التنوير الديني في بلادنا لا يستقيم ولا يكتمل سوى بذكر كتابات محمد الشاذلي النيفر وأرائه، إذ تشير مؤلفاته التي تعكس دراية بعلم التحقيق وقدرة في ممارسة علم الإفتاء، إضافة إلى إنتاجه الفقهي، أن الشيخ النيفر صاحب إسهامات وجهد واضحين في تجسيد التجديد الديني خصوصا أن المعروف عنه توظيفه الكبير والمحكم لمسألة القياس. دون أن ننسى مقارباته لعدد وافر من قضايا الفكر والمجتمع، باعتبار أن الراحل قد غادرنا في فترة ظهرت فيها أغلب الإشكاليات الجديدة لمجتمعنا وبدأ فيها المشروع التحديثي الذي توخته بلادنا منذ الاستقلال، يُؤتي أسئلة تبحث عن أجوبة توفيقية تزاوج بين الأصالة والحداثة بشكل مؤسس بالمعرفة الدينية الصحيحة والقائمة على الاجتهاد المتواصل. إن المشروع الفكري للشيخ محمد الشاذلي النيفر، قد ساهم إلى جانب مشروع العلامة محمد الطاهر أبن عاشور وسالم بوحاجب وغيرهما في تجذير فكرة التجديد وفي الالتزام بالبعد التنويري في التفكير الإسلامي. ولعل الذين حضروا فعاليات اليوم الدراسي حول الشيخ النيفر، قد شعروا بأن شهيتهم لم يسد جوعها وأن الرجل يستحق اهتماما ثقافيا وعلميا متزايدا. ونعتقد أن استعداد بلادنا لتنظيم تظاهرة القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية، فرصة مهمة لإعادة مقاربة مشاريع كل من الطاهر الحداد وعبد العزيز الثعالبي والعلامة محمد الطاهر ابن عاشور ومحمد الشاذلي النيفر وغيرهم كثير، فهم بالإضافة إلى دورهم التجديدي في كيفية فهم الإسلام ثقافة وقيما ومقاصد،هم الرموز الزيتونيين الذين يستحقون من تونس اليوم والمتصلة بتاريخها ورواده إنصافا كبيرا يليق بهم. وعموما وكما هو معروف فإن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، قد نصب العداء للنخبة الزيتونية ولم يخل الخطاب السياسي البورقيبي من حملات الإساءة لبعض شيوخ الزيتونة والاتهامات والتقليل من شأنهم وذلك لعدة أسباب ليس هذا مجالها وأهمها إطفاء الجاذبية الشعبية التي كانت لهم. وإن بدا واضحا أن الدولة التونسية خلال العقدين الأخيرين قد سعت إلى إعادة الاعتبار للزيتونة وقامت بالعصرنة اللازمة وأولت رموزها الكثير من حقهم، فإن استحقاق الإنصاف والتعويض المعنوي والثقافي مازال قائم الذات ويطلب المزيد. ونظن أنه من غير المعقول أن لا تعرف عنهم الأجيال التونسية شيئا يذكر، في حين أن البعض مواظب على متابعة عمرو خالد والشيخ يوسف القرضاوي وغيرهما. إن إنصاف رموزنا المجددين والذين هم نتاج الثقافة التونسية المحتكمة إلى الاعتدال والوسطية، مسألة مهمة وأمامنا في العام القادم الفرصة الأكثر من مناسبة لنفض ما تبقى من الغبار ولممارسة ثقافة الإنصاف بالكثير والمزيد من الشجاعة.