من المسائل التي تلعب دور المحرار لقياس جودة الخدمات داخل إداراتنا ومؤسساتنا الوطنية وحتّى الخاصة هي حجم التدخلات التي يمارسها البعض لقضاء شؤونه فكلّما ارتفع هذا الحجم داخل احدى الادارات أو المؤسسات كلّما كان ذلك مؤشرا لجودة خدمات متدهورة وفتح الباب أمام التمعّش والارتشاء وسخط عموم الناس. ومهما حاصرت سلط الاشراف التدخلات بضبط الآجال وتحديد المقاييس لمختلف الخدمات فإن باب التدخلات ظلّ ولايزال مفتوحا على مصراعيه لعدّة أسباب منها ما يعود لمسائل تنظيمية ومنها ما يعود لضعف تكوين الكفاءات البشرية وأذكر أن من المؤسسات التي كانت رائدة في مجال جودة الخدمات هي الوكالة الفنية للنقل البرّي التي اعتمدت في تقييم آدائها على التقنيات الحديثة في مجال القيس وعلى الشفافية القصوى في التعامل بما يكشف للمسؤول كل من موقعه وبسرعة عن أي تجاوز أو إخلال.. فالمؤسسة وضعت لنفسها تجهيزات تقيس فترة تسديد الخدمات لكل حريف وتكشف أي تراخ كما أنها اعتمدت تنظيما يحول دون حصول أي تدخّل إلا وكان مكشوفا أمام الحرفاء.. وللأسف الشديد فإننا لم نعد نرى أثرا لمفعول هذه المقاييس برحيل من وضعها. ومثل هذه التقنيات المعتمدة يمكن أن تسحب على كل الخدمات التي تسديها الادارات والمؤسسات الوطنية إذا ما وَجَدَتْ عزيمة صادقة لتجسيم ذلك ورجالا أكفاء قادرين على وضع الاسس الصحيحة لخدمات عصرية تستجيب لتطلعات عموم الناس ولما ينتظر بلادنا... التي ستصبح خلال سنوات عاصمة اقليمية للخدمات تستقطب المئات من صناع القرار وعشرات الآلاف ممن اختاروها كإقامة ثانوية أو رئيسية لهم. لكنّ ما يلفت الانتباه عندنا هو أننا كنا ولانزال سبّاقين في وضع التشريعات والأطر القانونية لكننا لانزال بعيدين في باب تنفيذ ما تمّ تشريعه وإقراره كما أن منطق تعاملنا مع الاشياء يغلب عليه الطابع الشعاراتي والفكر الموضوي.. فمرّة ندعو لثقافة الامتياز فنقطع شوطا الى الامام وعندما تخفت جذوة الشعار نعود خطوات الى الوراء وأخرى للجودة الشاملة فنعيّن مسؤولين عن الجودة في كل مؤسسة أو إدارة ليبقى هذا التعيين مجرد قرار إداري بمجرّد أن ينتهي الحديث عن «موضة الجودة».. وها نحن اليوم نتحدّث عن مسؤول عن الاقتصاد في الطاقة وما أدراك فترى ماذا سيحدث بعد أشهر أو سنة؟ إن ما نأسف له اليوم هو أن الفرد منا أصبح يبحث لنفسه عن «علاقة» له تساعده حتّى في خلاص فاتورة أو استخراج مضمون وإن ترسّخ مثل هذه العقليّات من شأنه أن يقضي على القليل المتبقي من الثقة في اداراتنا ومؤسساتنا وان يؤثر على خطط وبرامج الدولة المستقبلية التي تَعِدُ بما هو أفضل على جميع الأصعدة.. والغريب في كل ذلك هو ان بلوغ مراحل متقدّمة من الجودة ليس بالأمر الصعب المنال اذا ما أرسينا قواعد علمية سليمة وابتعدنا عن الشعارات السياسية التي تستعمل للتسويق لا للتنفيذ.. والدليل نجاح بعض مؤسساتنا رغم قلة عددها في تحقيق أشواط متقدّمة في المجال عندما بنت مشاريعها على قواعد صحيحة.. فبلادنا لا تنقصها الامكانيات ولا السواعد لكنّ التونسي رغم ذلك ظلّ كالمربوط والمرعى خصيب. حافظ الغريبي للتعليق على هذا الموضوع: