تعيش البلاد هذه الأيام على وقع تسريبات مشروع قانون المالية لسنة 2018. وهي تسريبات أثارت العديد من ردود الفعل سواء من قبل المختصين أو العامة ممن اطلعوا على ما تنشره وسائل الإعلام ورأوا في هذا المشروع حزمة من الإجراءات الجبائية التي من شانها أن تثقل كاهل المواطن والمؤسسة في ظل عجز الدولة عن إيجاد موارد إضافية لميزانيتها عبر مسالك ونظم جديدة. المتعارف عليه أن قانون المالية يرتكز سنويا على جملة تكاليف الدولة ومواردها وذلك في نطاق أهداف مخططات التنمية وحسب التوازن الاقتصادي والمالي الذي يضبطه الميزان الاقتصادي. والأكيد أن معدّي المشروع وضعوا رؤية استراتيحية اقتصادية على أساسها تم تحديد موارد الدولة لسنة 2018 وسبل إنفاقها ووضعوا أهدافا من شانها المرور بالمؤشرات الاقتصادية إلى الضوء الأخضر وتحقيق أهداف كبرى منها ألا يتجاوز عجز الميزانية ال 3 بالمائة وألا تتجاوز المديونية ال 70 بالمائة وان تصل كتلة الأجور إلى 12.5 بالمائة وبلوغ نسبة نمو في حدود ال 5 بالمائة... أهداف طموحة يمكن أن يضحي من اجلها المواطن ويقبل بالإجراءات الجبائية الجديدة التي ستزيد من وضعه الصعب صعوبة وتزيد من عجزه عن الإنفاق عجزا وتمس أكثر فأكثر من مقدرته الشرائية وخاصة بالنسبة للطبقة الضعيفة والمتوسطة دون الطبقة الغنية. لكن هذه التضحية وهذا القبول بإجراءات منهكة وصعبة وجب أن ترفقها كذلك وبصفة عاجلة أوامر ترتيبية معلنة تحّد من نفقات التصرف وتخفض من الإعتمادات الموضوعة على ذمة كل رئيس إدارة أي من أعلى هرم السلطة التنفيذية إلى حد ادني مسؤول فيها. فإنفاق الدولة على المستوى الإداري فاق الخيال أولا من حيث عدد المسؤولين (النظر إلى عدد إطارات رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ومسؤولي الوزارات ومستشاريها وقياسا على ذلك في بقية الإدارات).. ولكل من هؤلاء امتيازات وظيفية منها خاصة السيارة ووصولات البنزين ومجانية استهلاك الكهرباء والماء والاتصالات والسكن.. حيث تشير الأرقام مثلا إلى أن تكلفة السيارات الإدارية - والتي تجاوز عددها ال 84 ألف سيارة- تفوق ال 760 مليون دينار سنويا في بلد لا يتجاوز عدد موظفيه ال 700 ألف موظف يتمتع الإطارات العليا بينهم بسيارة وظيفية (أو أكثر) وفق الأمر عدد 189 لسنة 1988 المؤرخ في 11 فيفري 1988 والذي يمنح لكل منتفع بالسيارة الوظيفية 400 لتر من الوقود في الشهر وغير ذلك من مصاريف الصيانة وتغيير السيارة وتجديدها لسبب أو لآخر... وأمام الوضع العام الذي تمر به البلاد واقتصادها، من الضروري المرور إلى سياسة التقشف ومن الضروري على القائمين بالإنفاق العام تعديل الأمر المشار إليه أعلاه والحّد من الإنفاق المفرط للدولة إلا في ما يحقق منفعة عامة. وتطبيق قاعدة الاقتصاد في الإنفاق العام يتطلب تضافر كل الجهود وخاصة يتطلب من الحكومة إصدار مراسيم في الغرض إلى جانب الحرص على مراقبة تطبيقها عبر الرقابة الإدارية والبرلمانية وقتها يمكن الحديث عن عدالة اجتماعية وعن القبول بالتضحية وتحمّل الأعباء من اجل المصلحة الوطنية والنهوض بالاقتصاد ودفع التنمية والتخفيض من المديونية.