أكّد رئيس كتلة الجبهة الشعبية أحمد الصديق في حوار ل"الصباح الأسبوعي" أنّه من الطبيعي جدا أن نعيش كلّ هذا التجاذب السياسي خاصة بعد تغيّر موازين القوى بين انتخابات 2011 و2014، وأضاف أنّ الجبهة تراقب بكلّ انتباه كلّ محاولات السيطرة على الهيئة العليا للانتخابات. وقال الصديق في ما يتعلّق بحزب عبيد البريكي الجديد أنّ لكل مواطن الحقّ في تأسيس حزب جديد ولكنه لا يعتقد في نفس الوقت أنّ من شارك في حكومة موغلة في يمينياتها قادر على تجميع اليساريين.. وفي ما يلي نصّ الحوار: لماذا كلّ هذا التجاذب السياسي داخل مجلس نواب حول رئاسة الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات وهي التي كانت تحظى بثقة التونسيين؟ لاشكّ أنّ الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات هي مؤسسة دستوريّة هامّة باعتبارها من أهمّ المؤتمنين على أهمّ وأخطر ممارسة سياسية دستورية تهمّ انتقال السلطة وتداولها والتي تُعدّ من أبجديات الديمقراطية. وأن تكون الهيئة هي المشرفة فلا غرابة أن تكون محلّ تجاذب وأخذ وردّ وتعليق واهتمام وتوجّس وخوف. وتفسيري الشخصي دونما خوض في التفاصيل ليس لأني لا أريد ذلك بل لأنها تستند في جزء منها إلى معطيات غير ثابتة، فنذكر أنه عندما قدّم السيد شفيق صرصار استقالته تحدّث عن سلوكات وعن تأثيرات وعن رغبة من طرف وآخر من داخل الهيئة وخارجها للحياد بها عن مسارها. وهذا يدلّ على أنّ التغيّر في الخريطة السياسية في منظومة الحكم ما بين انتخابات 2011 وانتخابات 2014 أكّد الرغبة لدى أكثر من طرف سواء كان طرفا حزبيا أو من يقف وراءه من قوى مؤثرة إمّا بغرض تأكيد تلك الاستقلالية ونزاهة العملية الانتخابية وضمان التداول السلمي على السلطة ضمن قواعد الديمقراطية أو العكس تماما يريد أن يعود بها إلى الخلف. ولهذا لديكم كلّ هذا التوجس حول مدى استقلالية الهيئة؟ نعم لدينا توجّس كبير ونراقب بكلّ انتباه لأنّ ذلك لا يأتي من فراغ، وأنّ الرغبة في السيطرة على الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات تقريبا واضحة عبر التحكّم وضمان الموالين فيها. هل تعني بالأطراف السياسية كلا من النهضة والنداء؟ اقصد حزبي النداء والنهضة ومن يقف وراءهما من جهات ولوبيات ومراكز نفوذ وقوى يبدو انها تريد العودة إلى المنظومة القديمة وإن كان بشكل مغلّف أو رغبة في ضمان نوع من الحماية حتى لا تُصبح هذه الهيئة ضدّه. وما يُلام ربّما هو ذاك الامعان في وضع هذه الهيئة تحت السيطرة، فعندما يصرّ طرف مُعيّن على أن يكون فلان رئيسا للهيئة وطرف آخر يرفض يعني أنّ هناك توجّس وخيفة ورغبة في أن يكون هناك لون مسيطر باعتبار أنّ دور الرئيس ليس كدور الأوضاع بحسب قانون الهيئة وهذا ما يُفسّر حالة التجاذب. فكجبهة شعبيّة وقوى معارضة وكأقليّة موجودة داخل مجلس النواب لا يمكننا أن نحسم الأمر وحدنا ودورنا هو أن نحاول بكلّ الوسائل أن نضمن أقصى ما يمكن من شروط الحيادية والنزاهة لهذه الهيئة. هل صحيح أن هناك ضغوطات خارجية على الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين؟ حقيقة أربأ بنفسي أنا وزملائي الطاعنين في الخوض في هذه المسألة، وشخصيا لا أميل الى هذا الطرح ليس لعدم وجوده وإنّما يقتضي واجب التحفّظ الذي لا يُحمل على القاضي فقط وإنّما أيضا على من يرفع دعوى لدى المحكمة في أن لا يخوض في أي دعوة قضائية. ومسألة الطعن تخضع إلى نفس نواميس وقواعد التعامل والتنازع القضائي. ولكن أؤكد أيضا أنّ المناخ العام كلّه تحت الضغط من ضغط إعلامي علينا بتسفيه طعوننا وضغط قائم من كثير من أنصار طعننا على ردود الطرف المقابل على هذه الطعون سواء تعلّق الأمر برئاسة الجمهورية أو الأربعين نائبا الذين ردّوا على عريضة الطعن، إذن هناك ضغوط متبادلة ومن الطبيعي ان تكون الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين واقعة بدورها في هذا المناخ. ولكن لا نملك جميعا إلاّ أن نقبل وأن نخضع لما ستقرّره هذه الهيئة ولنا أن نُعلّق بعد صدور القرار على الطعن من باب التكييف القانوني ومن باب إن ثبت لدينا شيء خارج عن مجال القانون ويدخل في مجال الضغوط وغيره. ما تعليقك على ما جاء على لسان عبيد البريكي من تأسيس حزب يساري سيتموقع في صفّ المعارضة البناءة وتجميع العائلة اليسارية بما يضمن الحدّ الأدنى من التوافق؟ قبل كلّ شيء يحقّ لأيّ مواطن تونسي أن يُقيم مشروعا حزبيا بالرؤية التي يشاء، أمّا عن القول عن معارضة بناءة فهذا قول يتبناه كثيرون ليس فقط السيد عبيد البريكي فليس هناك معارضة بنّاءة وأخرى هدّامة. فالمعارضة البناءة أصبحت كلمة مرفوضة ممجوجة ومستهجنة من كثرة ما استعملها بن علي، فأن تُستعمل اليوم في مناخ ديمقراطيّ أعتقد أنه على الجميع بغضّ النظر عمّا يقصده من هذه الكلمة أن يبحثوا عن مصطلح وجملة أخرى أفضل من كلمة بنّاءة. فنحن معارضة وفخورون بذلك، نحن معارضة لمن يحكمون اليوم لأننا نعارض منهجهم وبرنامجهم والسياق الذي جاء فيه ونعارض القوى والتكتلات والمصالح واللوبيات الداخلية والخارجية التي تساندهم وتدفعهم إلى صياغة وتنفيذ برنامج لن يذهب إلاّ إلى تفقير الشعب. والسيّد عبيد البريكي له الحقّ في أن يؤسس لمشروعه ونرى فيه احتكاكا وتماسا معنا ورغم التسمية بأنّه يساريّ كبير فله ذلك. وما رأيك في قوله أنه سيسعى إلى تجميع اليساريين من أجل ضمان حدّ أدنى من التوافق؟ له ذلك وليس لنا أن نعتبره حكرا علينا ونتمنى له النجاح وإثراء المشهد السياسي في البلاد رغم أنّ تقييمنا في الجبهة الشعبية هو ان هناك محاولة لخلق كيان سياسي يتّصف باليسار ويكون متناسقا مع الجوقة الموجودة حاليا. فلا ننسى أنّ البريكي قد شارك في حكومة يوسف الشاهد وأنه لم يُغادرها نتيجة استقالة أو نتيجة البرنامج الذي تُنّفذه وإنّما لخلاف مع رئيسها، وبالتالي لا أعتقد أنّه في بهجته ومنهجه وعمق اليسار أن يكون في يوم من الأيام وزير في حكومة يمينية تتحدث عن الفساد وتُؤيده، وعن الشعب وتُفقّره، والسيادة الوطنيّة وتطبّق حرفيا إملاءات صندوق النقد الدولي، والوحدة الوطنية ولا تفعل إلاّ الانقسام. فلا أعتقد أنّ شخصية تشارك في حكومة وتغادرها تقريبا مطرودة يمكن أن تُجمّع اليسار، فتبرير ضرورة الدخول في معترك الائتلاف لحاجة اليمين لاستكمال مشهد الوحدة الوطنية إلى عنوان يتّصف باليساريّة يتحمّل مسؤوليته الناس والفاعلون السياسيون والمحللون مهما كبرت الحملة الاعلامية والعبرة بالنتائج. ما وضع الجبهة الشعبية التي تواجه اليوم خلافات حادة؟ لو لم تكن هناك خلافات واختلافات في قراءة الوضع لما كانت جبهة ولا كانت حزبا واحدا، ولكن في نفس الوقت تجتمع على حّد أدنى مشترك انطلقنا به وما يزال قائما وتدّعم وقراءتنا للمشهد السياسي قد صحّت. أما الحديث عن الاحباط فهي حالة تضرب الكثير من قواعد كلّ الائتلافات السياسية. والحديث على أن الجبهة لم تعد قادرة على التعبئة فأتحدى الجميع إن كانوا قادرين على تعبئة نصف المسيرة التي نظمناها مؤخرا في شارع الحبيب بورقيبة أو في اجتماع شعبي تلقائي عفوي دون حافلات تنقل الناس ودون طعام. يعني العزوف عن المشاركة في التظاهرات الكبرى يضرب كلّ الائتلافات السياسية بما في ذلك المعروفة بقواعدها المطيعة طاعة عمياء ولكن أجزم أنّ الجبهة ستظلّ موحدة في إطار الاختلاف والتنوّع. أدعو الأطراف المنتقدة لنا أن تهتمّ بأحزابها وقياداتها وبكوارثها. إذا كانت الجبهة معافاة لماذا بحثت عن التحالف الانتخابي؟ الانتخابات البلدية عملية معقّدة وشائكة وصعبة ومسؤوليتا وخوفنا على الديمقراطية يجعلنا نبحث على أوسع ما يمكن من التحالفات المبنية على أساس واضح حماية للديمقراطية والتنوّع في المجالس المقبلة ورغبة في تأكيد وتوسيع المرفق العمومي المحلي والجهوي الذي تعرّض إلى الضرب والهرسلة نحو التغوّل والخوصصة. إجراءات جديدة في مشروع قانون المالية لسنة 2018 تهمّ القيمة المضافة.. ما تأثير ذلك على المواطن وما تعليقك؟ الجباية تكون عادلة عندما تكون مسلطة على المداخيل أكثر من تسليطها على المعاملات لان الاقتطاع الضريبي الذي يطال المداخيل هو اقتطاع أكثر انصافا. وكلّما كانت الضرائب غير مباشرة مرتفعة في منسوبها كلما دلّ ذلك على عدم الانصاف. إذا ما كان قانون المالية سيضرب المعاليم الموظّفة بعنوان القيمة المضافة فيعني ذلك اننا سنوغل في الظلم الجبائي سواء كان بالنسبة للمهن الحرّة أو غير الحرة وبالضرورة سيقع ضرب قدرة المواطنين على التمتّع بالخدمات وسيؤثّر ذلك على توفيرها. فلا يجب أن يسقط الجميع في فخّ الحملات الإعلامية التي بدأت لضرب قطاعات المحاماة والصحة والمهن الأخرى، هذا من ناحية أما من ناحية أخرى فإنّ هذا الإجراء سيدفع إلى التهرّب الضريبي فالراغب في التمتع بالخدمة بالمعلوم القديم سيطلب عدم "الفكترة" وهذه قاعدة معروفة في نظام الجباية كلّما رفّعت في معاليم الجباية عن المستوى المعقول كلّما شجّعت على التهرّب الضريبي. تعني.. لا تغيير يذكر في منهج الإصلاحات مقابل مواصلة ضرب المقدرة الشرائية للمواطنين.. لا اصلاحات منتظرة من هذه الحكومة ما دامت تخضع لإملاءات صندوق النقد الدولي العمياء نتيجة سوء التصرف والفساد وتخريب البنوك من قبل الأثرياء وعدم مواجهة الاقتصاد الموازي والتأثر بلوبيات التي تتحكم في مصيرها وتُعيّن وزارءها لحماية مصالحها..