أكثر من ثلاثة أسابيع مرت على العودة المدرسية ومع ذلك فان الشعور الطاغي وكأن العودة المدرسية لهذه السنة محطة تلتئم ولأول مرة في ظل النقص الحاصل في أشغال الصيانة وتهيئة بعض المدارس بما يؤشر إلى وجود مخاطر عديدة تتربص بسلامة التلاميذ. لا تزال إلى اليوم بعض المقاعد الدراسية شاغرة في انتظار روادها من التلاميذ، وحتى وان اكتمل النصاب في بعض المؤسسات التربوية فان هذا لا يعني بان «الأمور على ما يرام» خاصة فيما يتعلق بسلامة البنية التحتية بالنظر إلى وجود مسائل جوهرية تحول دون تامين عودة مدرسية آمنة على غرار النقض الحاصل في التجهيزات أو غياب أعمال التهيئة والصيانة بما يهدد بعض المدارس بالسقوط على حد تأكيد أهل الاختصاص. ويرى البعض أن الوزارة مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى تهيئة أعمال الصيانة في بعض المؤسسات التربوية التي نظم البعض منها وقفة احتجاجية حتى لا تواجه مصير مبنى سوسة.. وقد نفّذ أساتذة معهد حي ابن خلدون مطلع الأسبوع الجاري إضرابا عن العمل نتيجة تردّي البنية التحتيّة للمعهد الذي صار مهددا بالسقوط وقد شملت إمكانية السقوط مقر إدارة المعهد مما أدّى إلى غلقها مع عديد القاعات في المعهد التي أصبحت غير صالحة للدراسة في ظروف ملائمة. وتساءل القائمون على المعهد من خلال صفحتهم الاجتماعية عن سبب «تماطل الوزارة وعدم إعطاء الموضوع الأهميّة التي يستحقّها خاصة وأن إمكانية سقوط عديد الأقسام قائمة منذ السنة الدراسية الفارطة.. لتشهد تطوّرا هذا العام.. بالإضافة إلى وصول الضغط الكهربائي إلى ما يزيد عن 300 فولت وهو ما يمثل تهديدا حقيقيا». كما شهدت بداية السنة وفقا لما ورد بالصحة الاجتماعية للمعهد نقل ما يزيد عن ثلاثمائة تلميذ إلى معاهد مجاورة نتيجة غلق القاعات المهددة بالسقوط داعين في السياق ذاته المسؤولين بالتدخل العاجل والفوري من أجل إعادة تهيئة المعهد وعودة الدروس بشكل طبيعي. والأمر لا يقف هنا وإنما ينسحب على عدد من المؤسسات التربوية التي تشهد وفقا لما أكده البعض بنية تحتية مهترئة بما يجعلها آيلة للسقوط في أي لحظة لا سيما أنه في السنة الماضية تكررت حالات سقوط أسقف المدارس حيث سقط صباح الجمعة 30 سبتمبر 2016 جزء من سقف قسم مدرسة الهدى بالقيروان بينما كان التلاميذ بالقسم، وقد تفطنت المعلمة إلى بداية سقوط السقف فأخرجت التلاميذ من القسم مما حال دون وقوع كارثة.. كما شهدت المدرسة الابتدائية 20 مارس بسيدي حسين السيجومي بتاريخ 12 جانفي 2016 انهيار جزء من سقف إحدى قاعاتها دون تسجيل إصابات في صفوف التلاميذ أو الإطار التربوي.. الخ من الأمثلة. في تشخيصه للأسباب التي تقف دون عودة مدرسية موقفة على حد تشخيص البعض لا سيما فيما يتعلق بالتهديدات الجدية التي تطال بعض المؤسسات التربوية التي تعاني بنية تحتية مهترئة، أورد فخري السميطي الكاتب العام المساعد للنقابة العامة للتعليم الثانوي في تصريح ل «الصباح» أن النقابة حذرت مرارا وتكرارا وزارة التربية بخصوص البنية التحتية التي أصبحت مهترئة مشيرا إلى أن السنة الماضية شهدت حالات عديدة لسقوط أسقف مدارس الذي يكاد يكون الخبز اليومي لبعض المؤسسات التربوية. كما أورد السميطي أن بعض المدارس تشهد اضطرابا على مستوى التزويد بالماء والكهرباء حتى انه أضحينا نخشى على التلاميذ من الأسلاك الكهربائية العارية والتي تمثل تهديدا جديا للتلميذ. وبخصوص تعثّر العودة المدرسية في بعض المناطق أورد السميطي أن السبب الرئيسي هو غلق باب الانتدابات في قطاع حساس وجوهري كقطاع التربية معتبرا أن هذا التوجه سيعود بالوبال على سير المنظومة التربوية مشيرا إلى وجود قطاعات كقطاع التعليم لا يمكن فيها غلق باب الانتداب والتعويل عن التشغيل الهش قائلا في هذا الشأن:» تمت تسوية وضعية 1300 معلم من النواب والحال أن ولاية القيروان تحتاج وحدها ل1400 معلم»، ليخلص المتحدث إلى القول بأننا ذاهبون إلى كارثة كبرى جراء غلق باب الانتدابات في قطاع التعليم. من جهة أخرى يشير رضا الزهروني في تصريح ل «الصباح» أن العودة المدرسية المضطربة هذه السنة مردها النقص الحاصل في الإطار التربوي الذي يعود إلى التقليص في ساعات الدراسة أما فيما يتعلق بالبنية التحتية المهترئة التي تتربص بسير المنظومة التربوية أورد المتحدث أنه من الضروري اليوم أن يتبنى مشروع الإصلاح المدرسي خارطة مدرسية تضبط أوليات التدخل لا سيّما على مستوى النقص الحاصل في التجهيزات بما أن الظروف الحالية لا تعتبر ملائمة. ولأن أصابع الاتهام في هذه المسألة، عادة ما توجه إلى وزارة التربية فقد أوردت سامية الزياني مديرة البناءات في وزارة التربية في تصريح ل «الصباح» بخصوص المعهد الثانوي بحي ابن خلدون الذي «يعتبر آيلا للسقوط» أن المشروع مدرج في أشغال التهيئة وقد انطلقت الأشغال فعليا غير أن البلدية قد تدخلت وأوقفتها نظرا لعدم وجود شهادة ملكية للمعهد. وفيما يتعلق بباقي أعمال الصيانة والتعهد لباقي المؤسسات التربوية أوردت المتحدثة أن الوزارة تتدخل وفقا للاعتمادات المرصودة وقنوات التدخل والصيانة وفقا للأولويات مشيرة إلى أن حاجيات الوزارة في مجال الصيانة تفوق بكثير الاعتمادات المرصودة للغرض مؤكدة أن اغلب المدارس الابتدائية تعاني بنية تحتية مهترئة. من جانب آخر، تجدر الإشارة إلى أنه تتعدد الأسباب وتتنوع لكن النتيجة واحدة،عودة مدرسية متعثرة أو منعدمة تماما حيث ندد صباح الاثنين الماضي أولياء المدرسة الابتدائية بسرديانة من معتمدية السبيخة بعدم التحاق أبنائهم التلاميذ بمقاعد الدراسة بعد أكثر من أسبوعين على انطلاق العودة المدرسية حسب ما نقلته إذاعة «صبرة أف آم». وأوضح الأولياء أن ذلك يعود إلى عدم توفر معلمين بهذه المؤسسة التربوية، مهددين بغلق المدرسة ومطالبين السلط الجهوية بالقيروان ومندوبية التربية بصفة خاصة بالتحرك العاجل لتوفير الإطار التربوي اللازم بهذه المؤسسة. كما لم يتمكّن عدد من التلاميذ صباح الثلاثاء الماضي من الالتحاق بمقاعد الدراسة وذلك بسبب فيضان وادي زرود وتعطّل حركة المرور على مستوى منطقة الثلاجة من عمادة الشواشي التابعة لمعتمدية حاجب العيون من ولاية القيروان.ويبدو أن هذا السيناريو سيتكرر كثيرا في قادم الأيام بالنظر إلى انطلاق موسم الأمطار.. ولا تزال مدرسة أولاد خليفة بمعتمدية بئر الحفي من ولاية سيدي بوزيد تشكو من العديد من النقائص وفقا لما تناقلته مصادر حيث تأثرت المدرسة بمحيطها الخارجي ومن عامل النزوح الذي تجلى في الهجرة إلى مركز المعتمدية أو الولايات المجاورة، بالإضافة إلى نقص النقل المدرسي الذي جعل عدد التلاميذ يتراجع من أكثر من 600 تلميذ في السنوات الأولى لإنشائها إلى 76 تلميذا، خلال السنة الدراسية 2017-2018». ويتمثل الإشكال الحالي في «عدم وجود سور للمدرسة مما جعل التلاميذ عرضة للحيوانات السائبة ومهددين بسيارات تهريب البنزين المارة بالطريق المحاذية إلى جانب نقص في القاعات وخدمات المطعم وانقطاع الماء الصالح للشراب».. وغيرها من الأمثلة التي تقف عائقا أمام العودة المدرسية. في هذا الخضم يبدو أن الأمر يحتاج إلى الكثير من الجهود سواء على مستوى تحسين البنية التحتية أو تجاوز النقص الحاصل في الإطار التربوي حتى يتسنى الحديث عن عودة مدرسية.