تحت عنوان «من غزة الى أبو ظبي صعود الداهية محمد دحلان» (de Gaza à Abou Dhabi.. l'ascension de l'intrigant Mohammed Dahlan) خصصت صحيفة «لوموند» الفرنسية صفحتين في عددها الصادر يوم الاثنين التاسع من اكتوبر الجاري لتقصي خطوات القيادي الفلسطيني في حركة «فتح» محمد دحلان رئيس الامن الوقائي السابق الذي اضطر لترك القطاع بعد سيطرة حركة «حماس» على غزة في 2007 وطردها قوات «فتح»، قبل أن يطرده رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في 2011 بعد أنباء عن محاولته الانقلاب عليه.. من غزة الى مصر الى تونس وليبيا والسودان وسوريا ولبنان وتحديدا شباب المخيمات الفلسطينية وصربيا والبوسنة، رصدت الصحيفة خطوات القيادي الفلسطيني وقدمته في صورة القيادي الخارق للعادة صاحب القدرات التي تجاوزت كل الحدود الجغرافية في التأثير على مسار دول وشعوب ضاربة في التاريخ سبقت في وجودها وجود دحلان.. فإذا كان الرجل بكل هذه العظمة فلماذا يبخل على وطنه فلسطين الواقعة تحت قيد الاحتلال بكل هذه الإمكانيات؟... والسؤال ذاته ينسحب أيضا على مواطنه المقدسي عزمي بشارة المقيم بالدوحة.. «لوموند» التي أرفقت التقرير بصورة كبيرة لمحمد دحلان في مكتبه الفاخر بأبو ظبي ومن خلفه صورة عملاقة للزعيم الراحل ياسر عرفات بكوفيته الفلسطينية، حملت الرجل صفة المخطط والمنظر الجيوسياسي لما تشهده منطقة الشرق الاوسط من تحولات متسارعة ومنها ما شهدته دول الربيع العربي من صعود وأفول حركات التيار الاسلامي. أما السبب وراء هذا الاهتمام المثير بشخص دحلان في التقرير الذي أعده مراسل «لوموند» في لبنان بنيامين بارث فمرده عودة صورة محمد دحلان (أبو فادي) لتهيمن على المشهد في قطاع غزة عبر المال، ولكن أيضا عبر المشاريع ومؤسسات التفكير think tank التي تستهدف الشباب بدرجة أولى. دحلان والمصالحة الفلسطينية والمثير أن تقرير «لوموند» يتزامن مع بوادر مصالحة طال انتظارها بين حركتي «فتح» و»حماس» التي دعت السلطة الفلسطينية الى استعادة الادارة المركزية في القطاع الذي سجل زيارة رئيس الوزراء رامي الحمد الله الاسبوع الماضي.. دحلان الذي سيقوده الزعيم الراحل عرفات للتعرف على حاكم الامارات سيتحول الى صديق مقرب ومستشار خاص لحاكم إمارة دبي الامير محمد بن زايد آل نهيان، الذي سيفتح له الابواب للعب في ساحة الكبار -على حد تعبير الصحيفة- وسيجعل منه رجل أعمال متنفذ يستقبل استقبال الوزراء في العاصمة الفرنسية ويعقد الصفقات من صربيا الى ليبيا.. وتذهب «لوموند» الى حد الى حد وصف دحلان بالحاكم الحقيقي للإمارات، ولكن أيضا -وهذا الأهم- الى أنه العقل المدبر لما حصل من خلط للأوراق في مسار ثورات الربيع العربي والصفعات التي تلقاها الاسلام السياسي في ليبيا وتونس ومصر بدعم وتمويل اماراتي.. الصحيفة اعتبرت أن ما يجري اليوم أشبه بلعبة شطرنج تقودها مصر والإمارات الى جانب دحلان، وتهدف إلى استعادة السيطرة على هذه المنطقة الحدودية من سيطرة حركة «حماس» الاسلامية التي تعرضت لاستنزاف شديد بعد عشر سنوات من الحصار وثلاث حروب ضد إسرائيل. «لوموند» التي منحت دحلان دورا مؤثرا لا حدود له، أشارت الى أن احتمال عودته القريبة إلى غزة أثارت حفيظة الصديق اللدود محمود عباس، الذي كان قد اتهمه في 2011 بمحاولة الانقلاب عليه.. وتذكر الصحيفة أن دحلان التقى في عديد المرات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في إطار المفاوضات الجارية مع الخرطوم حول بناء سد على نهر النيل، كما أنه التقى الرجل القوي في ليبيا خليفة حفتر، الذي يعتقد أنه يموله بالسلاح والمرتزقة، كما أنه اجتمع ببعض فصائل المعارضة السورية في القاهرة، وعقد أيضا لقاءات مع بعض الأطراف المشاركة في الانتقال السياسي في تونس وتحديدا محسن مرزوق مع تأسيس نداء تونس . «لوموند» اعتبرت دحلان من القيادات الفلسطينية الاكثر نفوذا في المنطقة حيث انه تحول الى أخطبوط حقيقي. كيف تعرف دحلان على الأمير محمد بن زايد؟. تقول الصحيفة أن أول لقاء بين محمد دحلان وبن زايد جرى في سنة 1993، عندما زار ياسر عرفات أبو ظبي. وقد كان حينها دحلان يستعد لتسلم مهمة إدارة جهاز الأمن الوقائي في غزة، وقد استغل هذا المنصب من أجل جمع أموال كثيرة، عن طريق فرض الإتاوات على شاحنات البضائع التي كانت تدخل القطاع، وتمكن أيضا من ربط الصلة بعديد الأجهزة الاستخباراتية مثل «الشين بيت» الإسرائيلي. وفي دولة الامارات يبدو -حسب الصحيفة- أن دحلان التقى العديد من الوجوه السياسية التي أجبرها الربيع العربي على ترك أوطانها وبينها رئيس الوزراء المصري أحمد شفيق، والمستشار الليبي محمد إسماعيل، وابن الرئيس اليمني المخلوع أحمد صالح. وكان دحلان يسعى الى استمالة هؤلاء لإسقاط الاسلاميين الذين فازوا في الانتخابات في مصر وتونس. وبحسب الصحيفة، سيصبح دحلان أحد أهم الأذرع التي تستعملها الإمارات لتحقيق أهدافها، عبر الديبلوماسية السرية وقوة الأمر الواقع. وسيكون لدحلان دور في ليبيا، وخاصة في منطقة برقة، حيث كشفت تسريبات صوتية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن دحلان سافر في طائرة خاصة من القاهرة إلى ليبيا. ويعتقد كثيرون أن تلك الرحلة دليل على أن دحلان هو أحد أبرز المشرفين على نقل الأسلحة إلى معسكر الجنرال خليفة حفتر. واستفاد دحلان من علاقاته بجمهوريات يوغسلافيا السابقة للحصول على السلاح. كما تشير الصحيفة الى أن دحلان حاول التقرب من وجوه سياسية في تونس، خاصة من رجال النظام السابق وقيادات اليسار التونسي المتطرف المعادي للإسلاميين. ويذكر في هذا السياق رفيق الشلي المدير السابق للأمن ومحسن مرزوق الذي ساهم في تأسيس حزب نداء تونس. ولعله من المهم الاشارة فيما يتعلق بعلاقة دحلان بنداء تونس أن الصحيفة تبدو وقد تجاوزتها الاحداث حيث ترتكز الى جملة من المعلومات التي لا يمكن اعتبارها سرا بالنسبة للرأي العام التونسي وهي معلومات راجت خاصة خلال الحملة الانتخابية التي سبقت انتخابات 2014 وتحدثت عن تدخلات من جانب الامارات ومساع للتأثير على حزب نداء تونس بعد اعلان النتائج، بعدم التحالف مع حركة النهضة. ليس أكثر من أداة لأطراف متنفذة والواقع أن عودة دحلان الى المشهد الاعلامي قد تحمل اشارات بأن الرجل الذي يبلغ 56 سنة من العمر قد تكون له طموحاته للتربع على المشهد السياسي الفلسطيني لخلافة محمود عباس (أبو مازن) خاصة ان دحلان له علاقاته الأمنية مع سلطات الاحتلال... مقابل محمد دحلان في ابو ظبي يبقى الوجه الاعلامي المعروف عزمي بشارة في العاصمة القطرية الدوحة الوجه الاخر المتنفذ في المشهد السياسي. ويبقى كل من عزمي بشارة المقدسي عضو الكنيست الاسرائيلي السابق ومحمد دحلان الاداة الخفية لحرب المواقع بين البلدين الخليجيين منذ بداية موسم الربيع العربي. وليس سرا أن عزمي بشارة المفكر والسياسي ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالدوحة له دوره في التأثير على الاحداث انطلاقا من العاصمة القطرية وعبر قناة الجزيرة.. من الواضح أن تقرير لوموند يحتمل أكثر من قراءة وهو يجمع بين الصواب والخطأ في كثير من المعلومات التي تضمنها وبعضها تجاوزتها الاحداث. والارجح أيضا أن التقرير ليس بمنأى عن الازمة الخليجية الراهنة وحرب المواقع بين الدوحة وبين بقية دول التعاون الخليجي والتي قد تشهد خلال قمة الكويت المرتقبة خلال الايام القادمة منعرجا حاسما في الازمة غير المسبوقة في منطقة باتت محكومة بصراعاتها الطائفية الدموية وحروب الزعامات التي تستنزف طاقاتها وامكانياتها.. ربما يكون لمحمد دحلان كما هو الحال لعزمي بشارة موقع ودور في تحديد مسار هذه الحرب ولكن الاكيد أنهما لا يمكن أن يكونا أكثر من مجرد أداة لأطراف تعتقد أنه بإمكانها ان تكون المستفيدة من حالة الفوضى التي تعيش على وقعها المنطقة... الواقع أنه لا دحلان ولا عزمي بشارة يملكان اعادة ترتيب المشهد أو التحكم في اللعبة التي هي بيد أطراف متنفذة تبسط سيطرتها على المنطقة ولكنها تكشف اليوم أن طموحاتها واطماعها أوسع مما كان يبدو..