تعيش مؤسسات وشركات القطاع العام في تونس منذ سنة 2011 العديد من الصعوبات المالية التي أثرت سلبا على الدورة الاقتصادية وعطلت عمل الحكومات المتعاقبة التي وجدت نفسها في كل مرة مجبرة على اللجوء الى الاقتراض من المؤسسات النقدية الدولية من أجل الحفاظ على استمرارية الشركات العمومية، هذه الوضعية الكارثية جعلت التوجه الحكومي نحو الخوصصة والتخلص من أعباء هذه المؤسسات أمرا واردا في ظل التراجع الكبير في مردوديتها الاقتصادية والاجتماعية. وتقدر قيمة العجز في هذه المؤسسات على غرار الشركة التونسية للكهرباء والغاز والبنوك العمومية والصناديق الاجتماعية واتصالات تونس وغيرها من المؤسسات، ما يناهز 4 الاف مليون دينار خلال السنوات الثلاث الاخيرة وهو ما جعل الحكومة تبحث عن حلول لإنقاذ ما يمكن انقاذه وذلك عبر خطط ومقترحات لم تؤت أكلها إلى حد الآن، وجاءت بنتائج عكسية زادت في عجز ميزانية الدولة، نتيجة حلول ترقيعية تعتمد أساسا على الاقتراض لإيقاف النزيف، دون الوقوف على الأسباب الحقيقية واراء الصعوبات التي تعيشها المؤسسات العمومية، المتمثلة في تراجع قيمة العمل بما أثّر على المردودية مقابل فائض في عدد الموظفين لا يتماشى مع طاقة الانتاج، والتي يصفها المختصون في الشأن الاقتصادي بالبطالة المقنعة. وقد طرحت الحكومة حلولا تقوم على تدعيم هذه المؤسسات عبر الزيادة في رأسمالها، وتفعيل الحوكمة ودفع تنافسيتها وتحسين المناخ الاجتماعي لرفع قدراتها الإنتاجية، ووقف الانتدابات في القطاع العمومي وتوجه غير معلن نحو خوصصة بعض هذه المؤسسات، وهو ما يرفضه الاتحاد العام التونسي للشغل الذي اعتبر أمينه العام في تصريحات اعلامية مؤخرا أن المؤسسات العمومية خط أحمر، موقف أكده القيادي في المنظمة الشغلية بوعلي المباركي في تصريح ل»الصباح» حيث جدد الرفض القطعي لما وصفه بإملاءات صندوق النقد الدولي وعدم الخضوع لشروطه المشبوهة في إطار اصلاحات تخفي وراءها مخططات هيمنة وتحكم في القرار الوطني، مؤكدا أن الاتحاد يرفض المسّ بالمؤسسات العمومية والتقليص في كتلة الأجور وتخريب الصناديق الاجتماعية، الذي سيكون له نتائج وخيمة على الاقتصاد وعلى الاستثمار والتصدير، ولن نسمح تحت أي ظرف الذهاب في هذا المخطط التخريبي، وقد بلغنا موقفنا لحكومة الوحدة الوطنية التي من المفترض أنها ملتزمة بوثيقة قرطاج والتي قدمت فيها العديد من الحلول الواقعية لدعم الاقتصاد الوطني وتدعيم المؤسسات العمومية وتطوير أدائها وعدم اعتبارها عبئا ثقيلا على المجموعة الوطنية، والتعامل معها كمكسب وطني يتطلب الحفاظ عليه بعيدا عن الحلول المشبوهة، وفق تعبيره. من جهته نفى وزير المالية رضا شلغوم في تصريح اعلامي ما يروج حول خوصصة والتفويت في المؤسسات العمومية التي تعاني عجزا ماليا، مشيرا الى وجود خطط للخروج بها من الأزمة التي تمر بها، من ذلك خيرت اللجوء الى حلول تتمثل في تخطئة المؤسسات المتأخرة في دفع ضرائبها، دون المساس بهيكلتها أو تغيير صبغتها العمومية، على حد قوله.