اجمع العديد من الخبراء في الشأن المالي والاقتصادي أن السبب المباشر لتواصل الضغوطات على الميزان التجاري في السنوات الأخيرة مرده بالأساس التوريد العشوائي الذي انتهجته الدولة واثر سلبا على التوازنات المالية حتى سجل الميزان التجاري للبلاد عجزا واسعا قدر بقيمة 10069 مليون دينار إلى موفى شهر أوت المنقضي مقابل 8253 مليون دينار قبل ذلك بسنة وفق تقرير حول «التطورات الاقتصادية والنقدية أكتوبر 2017» نشرها مؤخرا البنك المركزي التونسي. وأمام تواصل هذه الضغوطات، انتقد خبراء المال والاقتصاد محدودية تدخل الدولة للحد من نزيف التوريد العشوائي عبر تحديد قائمة سوداء في المواد الموردة على أن تستثني المواد الاستهلاكية الكمالية منها والاكتفاء فقط بالمواد الضرورية، معتبرين أن ذلك يشكل خطورة على اقتصاد البلاد خاصة في ما يتعلق بمدخراتنا الوطنية من العملة الصعبة .. وأفاد مراد الحطاب المختص في المخاطر المالية ل»الصباح» في هذا الصدد بأن اقتصادنا اليوم هو اقتصاد المخاطر باعتبار أن بلادنا تمر بوضعية انفلات توريدي مقابل انحصار تصديري، مشددا بالمقابل على ضرورة التقليص من التوريد عموما بنسبة لا تقل عن ال10 بالمائة حتى نستطيع تجاوز المشاكل المالية وعلى رأسها مشكلة التداين. وذكر الحطاب في هذا الإطار أن موارد تونس المتأتية أساسا من التداين موجهة إلى التوريد وليست موجهة للاستثمار والتنمية، مبينا أن السياسية التوريدية في تونس لا تتماشى مع السوق التصديرية والسوق الإنتاجية وهو ما سيؤدي ببلادنا بمرور الزمن إلى وضعية البلد المورد لكل المواد بجميع أصنافها مقابل توقفها كليا عن الإنتاج وبالتالي تعطل محرك التصدير بشكل نهائي. وأشار الحطاب إلى أن هذا الوضع المتوقع بلوغه في صورة تواصل سياسات التوريد العشوائي في تونس سيؤدي إلى مزيد استنزاف مدخراتنا الوطنية من العملة الصعبة المبنية أساسا على التداين مما سيؤدي بصفة آلية إلى تواصل انتهاج خيار التداين مستقبلا وخاصة إلى انهيار المنظومة الإنتاجية .. وحول أهم الحلول الاستعجالية التي يتطلبها الوضع الراهن، شدد الحطاب على ضرورة تغيير منظومة التصدير المنتهجة منذ السبعينات والتي تعتبر منظومة تصديرية كليا بعد أن تبين أنها تنهك الاقتصاد الوطني سنويا بما قيمته 4 آلاف مليار مع تكاليف مرتفعة في خدمة الدين تناهز كذلك ال4 آلاف مليار فضلا عن تكاليف التوريد التي تصل إلى 40 ألف مليار ... من جهتها، أطلقت الحكومة مؤخرا في مشروع قانون المالية لسنة 2018 جملة من الإجراءات تحت عنوان «إجراءات لحماية المنتوج الوطني وترشيد التوريد للحد من عجز الميزان التجاري» سيتم بمقتضاها الترفيع في المعاليم الديوانية الموظفة على بعض المنتجات والمواد الموردة. وحسب المشروع يشمل الترفيع خاصة بعض المنتجات الفلاحية وكذلك المنتجات الصناعية النهائية على غرار الملابس الجاهزة والأحذية والتجهيزات الكهرومنزلية وبعض المنتجات الصناعية الأخرى طازجة والمجفّفة والترفيع في المعلوم الموظف على الغلال والفواكه لفائدة الصندوق العام للتعويض من 0.500 دينار إلى 0.600 دينار على الموز الطازج. بالمقابل، اعتبر عدد من المراقبين في الشأن المالي والاقتصادي أن هذه الإجراءات مازالت متواضعة ولن تكون ناجعة في الحد من نزيف التوريد العشوائي، معتبرين أن الدولة مازالت لم تقتنع بعد بضرورة إحداث قائمة للمواد التي لابد من استثنائها كليا من الواردات دون الاكتفاء فقط بالترفيع في الأداءات على بعض المواد دون غيرها وهو ليس بالحل الأمثل في الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد.