يعتبر تراجع قيمة الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية الأخرى وخاصة الأورو والدولار من أبرز أسباب تواصل ارتفاع نسبة التضخم لدى الاستهلاك والتي بلغت في شهر سبتمبر 2017 مستوى 5.5 % بعد أن بلغت 5.7 % خلال أوت 2017 قاطعة مع نسق تصاعدي منذ بداية سنة 2017 انطلق ب4.6 % في جانفي 2017. انخفاض قيمة الدينار كان وستكون له انعكاسات قاسية على الأسعار خاصة أمام ارتفاع تكاليف التوريد والإنتاج مرورا بالتوزيع وهو ما سيتحملهّ المستهلك الذي سيتكفلّ بكل زيادة في التكاليف على الأسعار النهائية. الوضع الراهن للدينار التونسي والانزلاق الخطير الذي يعيشه قد أثر على العديد من القطاعات والمنتجات مما يفسر تطور أسعار كل المنتوجات تقريبا بما فيها المأكل والملبس والنقل والخدمات والمحروقات والكهرباء.. وهو ما نتج عنه ارتفاع في نسبة تضخم الاستهلاك الذي أثرّ سلبا على المقدرة الشرائية للمواطن وقلصّ من حجم الاستهلاك باعتبار أن تضخم الاستهلاك يؤدي حتما إلى ارتفاع التداين الأسري وعجزها على الإنفاق. وتشير الأرقام إلى أن البنوك منحت قروضا للأسر التونسية بقيمة 1080 مليون دينار خلال النصف الأول من سنة 2017. ارتفاع التضخم والتداين الأسري والعجز عن الإنفاق سيؤثر بدوره على المؤسسات الوطنية المصنعة وحتى المؤسسات الخدماتية التي سيقل نشاطها خاصة أن اغلبها يستخلص معاملاته بالعملة الصعبة وبالتالي ستزداد نفقاته وسيضطر إلى الترفيع في الأسعار مما يجبره على الدخول في منافسة غير مضمونة مع السلع الموردة التي ستكون أسعارها تنافسية واقل من السلع المحلية... إن العجز أمام إمكانية كبح الانهيار المتواصل لسعر صرف العملة الوطنية يجب إن يجر إلى اتخاذ إجراءات أخرى أهمها التقليص من نسبة التضخم ومقاومة عجز الميزان التجاري وعجز الميزانية العمومية وهو ما يستدعي الحد من التوريد وشجاعة في تفعيل بعض بنود الاتفاقيات التجارية التي تكون في صالحنا وحتى عدم العمل ببعض بنود الاتفاقيات المضرة باقتصادنا.. ويبدو أن حكومة يوسف الشاهد بدأت تسير في هذا الاتجاه من خلال مراسلات «سرية» وجهت من وزارة التجارة إلى البنك المركزي ومنه إلى البنوك المقيمة في تونس متعلقة بإجراءات فتح الاعتمادات لتوريد المنتجات عير الضرورية أو التي تعتبر غير ذات أولوية والتي تحد من توريد بعض البضائع التي وصفت ب»الكماليات» للحد من تفاقم عجز الميزان التجاري وتواصل تراجع مستوى الاحتياطات من العملة الصعبة.. وهي خطوة أولى في الطريق الصحيح الذي يفترض كذلك إعادة النظر بشكل كامل في منظومة التوريد ومنع توريد بعض المنتوجات الثقيلة الأخرى «الملتهمة» لمخزون البلاد من العملة الصعبة.