أصدر «ولتر إزاكسن» سيرة جديدة لليوناردو دافانشي. وقد صدرت السيرة في أكتوبر الجاري عن سايمون وشوستر بنيويورك. وليوناردو دا فينشي، فنان تشكيلي ايطالي شهير وهو صاحب أشهر اللوحات في العالم على غرار الموناليزا والعشاء الأخير. وفي حوار مع مجلة «بلومبرغ بيزنس ويك» كشف والتر إيزاكسون عن أسرار هذه العبقرية التي تميز بها رجل مثل دا فينشي وهو ما يجعلها ملهمة إلى اليوم. ويقول الكاتب في هذا الحوار أن دافنشي أزاح المسافة بين العلوم والفن، فعمله الشهير الرجل الفيتروفي مثلا، هو بورتريه شخصي، يعكس دقة تجاعيد الشعر والتظليل التام، وفي رسوماته عموما نجد هذه الدقة في النسب الصحيحة لجسم الإنسان وهو قبل أن ينجز هذا العمل قام ب230 من عمليات القياس سبقت الشروع في الرسم، لذا فإن عمله يعكس الدقة العلمية المذهلة، بالإضافة إلى كونه عملاً جمالياً مكتملاً. ويؤكد كاتب السيرة أنه تتبع كل شيء في مسيرة دافنشي من الخربشة العشوائية من تشكيل الغيوم إلى الطبيعة، إلى المحارب القديم الذي كان يستهوي دافينشي رسمه، ومن ثم الهضاب الشاهقة المدهشة. فقد كان دافينشي بالنسبة له محط تقدير كبير في حياته سواء كمهندس أو فنان، وكان شعوره طيباً جداً مع الناس ويرتاح لهم. لقد أحب أن يكون جزءاً من بلاط دوق ميلانو، حيث كان محاطاً من قبل علماء الرياضيات والمهندسين المعماريين والفنانين، من الطبقة المبجلة المبدعة، وقد كانت البيئة العامة في أواخر القرن الرابع عشر، مماثلة لمنطقة خليج كاليفورنيا في السبعينات من القرن العشرين، عندما كانوا يخترقون أجهزة الكمبيوتر الشخصية والإنترنيت. ويعتبر كاتب السيرة في حديثه إلى المجلة المذكورة أن الكثير من أوجه الشبه توجد بين ليوناردو دافنشي وستيف جوبز، أولاً وقبل كل شيء في إيمانهما بالربط بين العلوم والفنون. فالجمال والتصميم والهندسة كلها ذات معنى واحد بالنسبة لهما. أما من ناحية الدروس التي ينبغي تعلمها من ليوناردو دافنشي فإن كاتب السيرة يتحدث بالخصوص عن محاولة احتضان العديد من مجالات المعرفة في قالب واحد. ففي كثير من الأحيان، نحن لا نصبح مبدعين لأن نظرتنا تكون ضيقة جداً. بالنسبة لدا فينشي فهو لم يكن سوى متسائل، ومندهش، مثلا: كيف يبدو لسان طائر نقار الخشب؟ وهو يريد أن يعرف الإجابة ليس لأن ذلك سيساعده على بناء آلة للطيران أو رسم أفضل لوحة، ولكن لمجرد الفضول فحسب. كل هذا يؤدي في نهاية المطاف إلى الشعور الروحي بأنماط الطبيعة. وحتى لو أن ذلك لم يقدك إلى رسم لوحة كالموناليزا، فإنه سوف يقودك إلى حياة خصبة على الأقل. وفي محاولة لتقديم صورة قريبة جدا من الفنان والعالم الإيطالي قال كاتب السيرة أن دافينشي لم يكن عقلاً جباراً لا يمكن مجاراته، فقد كان إنساناً طبيعياً، يماطل ويؤجل المشاريع ولا يكملها، وهذا يعلمنا كيف نوازن مسألة أن نكون مثاليين ومنتجين في الوقت نفسه. ومن أبرز خصاله أنه يدفع بنفسه لكي تكون أكثر يقظة وتفهم للمبادئ الأساسية في الجمال، فحتى الأجزاء التي لا تُرى مباشرة تتطلب أن تكون جميلة وأن نهتم بها. لقد حافظ ليوناردو على الموناليزا لمدة 14 عاماً وهو يدرك أن أي ضربة فرشاة جديدة قد تجعل ابتسامة تلك المرأة في اللوحة أكثر جمالاً. إن سر ليوناردو دافنشي حسب صاحب السيرة الذي اهتم بسير عمالقة آخرين في عالم الفن والتكنولوجيا والبحوث من بينهم ستيف جوبز مثلا والبير أنشتاين هو ارتفاع منسوب حب الإطلاع لديه. وذلك لم يمكنه فقط من أن يحقق نجاحاً في مجال الأعمال فحسب، بل نجح في حياته عموما.