يسعى خبراء في الآثار في إيطاليا بكل قوة إلى الكشف عن هوية صاحبة اللوحة الشهيرة لليونارديو دافنشي "الموناليزا". ويبدو أنهم قد تفطنوا أخيرا إلى خيط يمكن أن يوصلهم إلى صاحبة أشهر ابتسامة في العالم وأكثرها إثارة وذلك وفق ما أكّدته الصحافة العالمية. فقد نقلت مثلا قناة فرنسا 2 في الأنباء الرئيسية ليلة أول أمس العثور على قبر يرجح أنه يحفظ بقايا السيدة "ليزا جيرالنديني" وهي سيدة ارستقراطية ايطالية يبدو أنها توفيت في أواسط القرن السادس عشر وفي صورة العثور على جمجمتها حسب هؤلاء الخبراء يمكن التعرف أخيرا على صاحبة الإبتسامة المثيرة. وفي الحقيقة قد يبدو للبعض أن تسخير هؤلاء الخبراء وعلماء الآثار والمختصين في تاريخ الفنون لجهودهم من أجل فك لغز هذه الإبتسامة فيه بعض الشيء من الغرابة ذلك أن البشرية تمر اليوم بآلاف الإمتحانات القاسية وتصارع حتى من أجل البقاء على الأقل فيما يخص الملايين من البشر في بقاع من العالم لا تجد القوت اليومي حتى نهتم بسر ابتسامة وإن ألهمت هذه الإبتسامة ذات الصيت العالمي ليوناردو دافنشي الفنّان الإيطالي متعدد المواهب واستفزت ريشته ليضع فيها عبقريته الكاملة. لكن وإن سلّمنا بأن البشريّة تحتاج لتكثيف الجهود وتسخيرها من أجل حلّ الأزمات والمشاكل المادية والإجتماعية وإيقاف الحروب والتخفيف من حدّة التوتّر في العلاقات البشرية إلخ فإن انكباب علماء وخبراء على فك لغز سر لوحة فنيّة مؤشر على أن الإنسان مازال يصر على الحياة مادام يؤمن بقيم الجمال ومادام يؤمن بقيمة الفن ودوره في إثارة الإحساس والإرتفاع بالأذواق. مادامت الناس تثيرها ابتسامة الموناليزا وتتساءل كلما شاهدتها(ملايين النسخ المنقولة عن اللوحة الأصلية تدور في انحاء العالم) هل هي ابتسامة حزينة أم ابتسامة خجلة أم مثيرة وتبحث عن إجابة عن أسئلتها التي بقيت إلى الآن بلا جواب فإن الامل يبقى موجود حول أناس لم تتحجر بعد قلوبها ولم تسرق منها السياسة وهموم الحياة القدرة على الإحساس بالفن. مادامت الناس تثيرها لوحة فنية وتستفز فيها الرغبة في فك ألغازها مادامت الدنيا بخير. صحيح الفنانون ليسوا كلهم ليوناردو دافنشي المبدع والفنان العبقري وصحيح كذلك أنه ليس كل عمل فني يمكن أن يمس الناس وأن يسري بين جنباتهم وأن يشعروا بذبذباته بين ضلوعهم ولكن الفن الصادق موجود والفنانين الصادقين موجودون ومعهم تستمر الحياة. لا غرابة في أن أجمل تعبير عن الحركات النضالية من أجل القضايا العادلة يكون بالشعر وبالموسيقى وباللوحات الفنية. ولا غرابة أن أغاني الثورات الصادقة التي يصوغها أصحابها من وحي القضية تستمر وتبقى. هل لنا ان نتخيل الحياة بلا فن وهل لنا أن نقاوم خطر تحول الناس إلى روبوهات فاقدة لكل احساس إلا بالفن. هل لنا أن نتخيل أن نبقى آدميين بدون فنّ يسري بين العروق مثلما تتدفق الدماء قي الشرايين. من هذا المنطلق يثير فضولنا بحث الخبراء عن صاحبة الإبتسامة الشهيرة في لوحة الموناليزا ويستفز فينا هؤلاء الرغبة في أن تتوج جهودهم بمعرفة المرأة التي ألهمت ليوناردو دافنشي حتى قدم للبشرية هذا العمل الفني الخالد. يهمنا أن نعرف من هي صاحبة الحظ السعيد التي ارتفعت في المقام إلى درجة أن وجهها يحفر في ذاكرة الأجيال على امتداد القرون دون أن تفقد من وهجها ودون أن تبيح بسرها لأحد. يهمنا أن نعرف من هذه المرأة التي تثير الجيوش من الخبراء على امتداد السنين يحاولون فك شفرة تلك الإبتسامة التي ارتقت بفضل ريشة فنان عبقري إلى مرتبة الأسطورة.