الواجبات الدراسية المنزلية التي يكلف المدرس(ة) بها التلميذ(ة) ليقوم بها بمفرده خارج المدرسة ودون حضور مدرسه(ته) وذلك في كل مراحل التعليم أثارت وتثير دائما ردود فعل التربويين حول مدى نجاعتها وقدرتها على الرفع من نسبة نجاح التلميذ(ة). ونجد اليوم هذه الممارسة البيداغوجية منتشرة في منظومتنا التربوية بما لها من آثار على تعلُم التلميذ(ة) خاصة في التعليم الابتدائي. الواجبات المنزلية، ممارسة لقد وجدت هذه الممارسة البيداغوجية معارضة من قبل المختصين منذ القرن الماضي. وعرف بهذه المعارضة عالم النفس هنري فالون (توفي 1962) والباحث التربوي روبير غلوتون(توفي1986). وتبعا لذلك اتخذت قرارات في بعض المنظومات التربوية بمنعها في الابتدائي منذ ذلك الوقت لكن تطبيق المنع على الميدان لم ينجح إلى اليوم وذلك يعود إلى ضغط المدرسين والأولياء. إن الواجبات المدرسية المنزلية أصناف فمنها المراجعة بغاية التذكر أو الحفظ أو التدرب على مسألة ما أو إنجاز تمارين لمزيد استيعاب درس ما، ومنها القيام ببحث أو إعداد درس جديد أو صياغة تحرير لموضوع معين... لكن يكمن المشكل اليوم في تكليف التلاميذ بمسائل أساسية في تعلمهم في القسم ليعدٌوها خارج المدرسة تحت تسمية واجبات منزلية بينما هي من المفروض أن تدرٌس في القسم تحت إشراف المدرس(ة). كأن يدعى التلميذ إلى مواصلة فهم الدرس في البيت بمفرده أو يكلف بإنجاز تمارين تطبيقية لدرس معين في البيت بينما هي تمارين أساسية لفهم الدرس.. ويذكر الباحثون في هذا المجال أن الذي يشجع على ممارسة الواجبات المنزلية هم الأولياء من ناحية إذ يعتبرون أنه كلما كلف أبناؤهم بواجبات دسمة فهذا يعني أن المدرس ممتاز ويعملون على نشر تلك الصفة بين بقية الأولياء ليصبح ذلك المدرس من أفضل المدرسين في المدرسة. وقد أكدت إحصائية قامت بها منظمة أولياء في فرنسا مثلا أن 4 عائلات فقط من بين 25 عائلة يفضلون أن يعود أبناؤهم إلى البيت دون واجبات. ومن ناحية أخرى وجد الباحثون أن عديد المدرسين وخاصة المنتمين إلى المدرسة التقليدية يفضلون هذه الممارسة في التدريس إما لقناعة ذاتية أو لإرضاء الأولياء. ويلتقي معهم في هذه المقاربة بعض المنظرين الذين يعتبرون الواجب المنزلي فرصة لبناء استقلالية المتعلم وقدرته على التعامل مع الصعوبات الدراسية بمفرده وهي أيضا فرصة لإتمام ما لا يمكن القيام به في القسم نظرا لضغط الوقت ولطول البرنامج السنوي. لماذا المنع؟ ورغم أن هناك من يدعو إلى تكليف التلاميذ بواجبات قليلة كحفظ محتوى معين أو قراءة جزء من قصة.. فإن المدارس الحديثة في التربية تدعو إلى إلغاء هذه الواجبات المنزلية وخاصة التحريرية منها والتي ينبغي أن يقوم بها التلميذ داخل المدرسة وإن تطلب الأمر تخصيص وقت لذلك مثل حصص الدعم على أن يغادر المدرسة يوميا وقد انتهى من دروسه كلها دون الحاجة إلى العودة إليها في البيت. ومن حججهم على هذا الالغاء أن الواجبات المنزلية تثقل كاهل التلميذ والعائلة معا. ونلاحظ ذلك في العائلات التونسية عندما تضطر الأمهات خاصة لمرافقة أبنائهم أثناء القيام بتلك الواجبات المنزلية التي تأخذ متسعا هاما من الوقت كما تقلص من فترة راحة الطفل أو المراهق التي كان بإمكانه استغلالها في الراحة أو الترفيه أو ممارسة هواية أو نشاط رياضي أو ثقافي.. ونجد أحيانا كثيرة أن الطفل لا يستفيد منها إذ يضطر بعض الأولياء إلى القيام بالواجب المنزلي بدل أبنائهم لضيق وقت الانجاز أحيانا ولعدم قدرة الطفل على الاستيعاب خاصة بعد قضائه يوما طويلا بالمدرسة. كما أن الاعتماد على الواجبات المنزلية كإحدى مجالات تقييم مكتسبات التلاميذ لا يضعهم على نفس المستوى من التقييم ويقوض مبدأ تكافؤ الفرص لأن الظروف التي ينجز فيها التلميذ الذي ينتمي إلى مستوى اجتماعي مرفه واجباته المنزلية تختلف عن تلك التي يعيشها من ينتمي إلى طبقة فقيرة. كما يؤثر أيضا في هذه العملية المستوى التعليمي للوالدين . وأخيرا فإنه لا يمكن نقل تعلٌم التعلمات الأساسية الحاسمة والمطلوبة للنجاح خارج المدرسة بدون رقابة مدرس لأنه قد يتعذٌر على المدرس(ة) متابعة تلك الأعمال المنزلية وتقييمها. وفي النهاية إن الاعتناء بالأبناء في المنزل وتخصيص الأولياء وقتا لهم للمراجعة أو لمزيد التمكن من محتويات دراسية معينة أمر مطلوب بشرط ألا يمنع الطفل من ممارسة هواياته والترفيه عن نفسه بالقدر المقبول وهذا لا علاقة له بالواجبات المدرسية التي أشرنا إليها إذ يبقى من واجبات المدرسة أن تمكن التلميذ من التعلمات المبرمجة له داخلها بكل جزئياتها والتخفيف قدر الامكان من الواجبات المنزلية إن لم نتوفق في منعها. * باحث وخبير تربوي