تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العائلة والمدرسة: دقّت ساعة الحوار
نشر في الشعب يوم 20 - 11 - 2010

العائلة في نظر عدّة أطراف تربوية هيأة اجتماعية مستقيلة،أو محتجّة مطالبة، العائلة غائبة تماما عن المدرسة، أو دائمة الحضور بالمدرسة إلى حدّ الإزعاج، والانطباع العام هو أنّ العائلة لا تتحمّل مسؤولياتها التربوية.
و المدرّسون في عيون بعض الأولياء موظّفون بعضهم مستضعف وبعضهم متسلّط وبعضهم متسيّب، قليلون عندهم أصحاب الكفاءة أو أصحاب الشخصية القوية أو من هو جدير بالاحترام.
فهل هذا حوار الطرشان ؟
أين التكامل بين العائلة و المدرسة ؟
بل وجب أن نتساءل :
* أين تقف التربية العائليّة ؟
* و من أين تبدأ التربية المدرسيّة ؟ حتى يتحمّل كل طرف مسؤوليته
هل هناك حقّا حدّ فاصل بين التربيتين ؟ أم أنّ الحدّ بينهما متحرّك ؟ و إذا كان متحرّكا، فحسب أيّ معيار ؟
قد يكون الجواب بسيطا : وهو أنّ المعيار في تحرّك الحدّ الفاصل بين التربيتين هو انتظارات الأولياء و قدرات المدرّسينب و من جديد أعود إلى اختيار تعميم التعليم من دون ضوابط تنظّمه و تعطي الاستحقاقيّة معناها
و جدواها.
فقد انفتحت المدرسة على فئات شتّى من المتعلّمين و بالتابع على طوائف مختلفة من الأولياء، فيهم من يقدّر العلم و أهله و فيهم من يعتبر المدرسة في خدمته و رهن إرادته له اليد العليا و البقيّة له صاغرون.
لقد تطوّرت العائلة التونسيّة، و صارت نسبة الأولياء من المتعلّمين مرتفعة، و لكن للأسف الشديد نجد العديد منهم ينقلبون على المدرسة التي علّمتهم و خرّجتهم إطارات في أصناف مختلفة من الاختصاصات و صرنا نجدهم يتطاولون على المدرّسين و على الإداريّين و يستخفون بالتشريعات المدرسيّة بل صرت تراهم يقتحمون قاعات الدّروس و يعتدون على المدرّسين حسّا و معنى.النص
فما الذي جعل العلاقة بين العائلة و المدرسة تتردّى إلى هذا الحدّ ؟
الأسباب عديدة نذكر منها:
أوّلا :غياب ثقافة الحوار
الإنصاف يقتضي منّا الإقرار بأنّ المدرسة لا تنظّم الحوار بين الأولياء و المدرّسين على الوجه المطلوب .فإذا استثنينا تلك اللقاءات الماراطونية التي تختم بها الثلاثيتان الأولى و الثانية، فإنّ الحوار يكاد ينعدم بين العائلة و المدرّس و يكاد يقتصر إن حصل على البحث في أسباب ضعف التلميذ في مادّة معيّنة تنتهي إلى اتفاق على درس خصوصي يقدّم لهذا التلميذ كي يتحسّن مستواه.
كما يقتضي الإنصاف أن نقرّ بأنّ المدرّس التونسي لا يحصل على تكوين خاص في فنّ الحوار مع الوليّ وهو من المعارف و المهارات التي تتعلّم، و الشأن نفسه ينسحب على الأولياء إذ أنّ النسبة الغالبة منهم لا يتحلّون بالخصال الضرورية لعقد حوارات مثمرة مع المدرّسين بل إنّ سلوك الكثيرين منهم يحملنا على وضع قدراتهم التربويّة محلّ سؤال و حتى الاستنكار.
لذلك يحصل الشدّ و الجذب بين الطرفين :
طرف أوّل :يدين فيه الولي النظام التربوي و يحمّله المسؤولية في كلّ عقبة تعترض منظوره
طرف ثان :يدين العائلة و يعيب عليها عدم تحمّلها مسؤوليّة تربية منظوريها.
هكذا يقع تبادل الاتهامات و خاصّة في سياق الفشل المدرسي و في سياق تبادل الأدوار من دون وعي بذلك فترى الوليّ يقوم بدور المدرّس في البيت فيكونب مدرّسا فاشلاب في أغلب الأحيان و ترى المدرّس يقوم بدور الوليّ في القسم فيكون مربّيا محدود القدرة في أغلب الأحيان أيضا.
ثانيا :غياب الهيئات المؤطّرة للحوار.
سبق أن قلنا إنّ المدرّس لا يتلقى تكوينا في فنّ الحوار مع الأولياء، و أنّ المؤسسة لا تنظم الحوار بين الأطراف المعنية على الوجه المرضي لذلك يصبح أمر هذا الحوار شأنا فرديّا يخصّ المدرّس واجتهادا شخصيّا قد يوفق فيه و قد لا يوفّق.
من هنا صار بعث هيئات اجتماعية للأولياء أمرا ضروريّا خاصّة و ظاهرة العنف و سوء السلوك آخذة في التفاقم.
أمّا منظمّة التربية و الأسرة فإنّ دورها في تنظيم الحوار بين المدرّسين و الأولياء معدوم على حدّ علمنا لأنّ التنظيمات المدرسية عندنا شاءت أن تجعل العلاقة بين المدرّس و الولي من شأن إدارة المدرسة وحدها و الحال أنّ مثل هذه التنظيمات الاجتماعية التربوية هي التي كان ينبغي أن تضطلع بدور الرّابط بين التربيتين :التربية العائلية و التربية المدرسيّة.
أمّا إذا تصرّفت هذه المنظمة بمنطق منظمة الدّفاع عن المستهلك أو ذهبت بعيدا فكلّفت نفسها بدور سياسي أو حزبيّ فإنّها تكون قد حادت عن طبيعتها و زاغت عن الوظيفة التي أنيطت بها .
أمّا مجلس المؤسسة الذي يدعو إليه الأمر المنظم للحياة المدرسيّة فإنه مولود ميّت من جهة وهو إن بعث لا يعدّ كافيا لتسوية علاقة مثمرة بين الوليّ والمدرّس.
ثالثا : نقص التشريعات المنظمة للحوار
كلّ الذي شرّع للمدرسة التونسية في هذا الباب هو الأمر المنظّم للحياة المدرسيّة المؤرّخ في 19 أكتوبر 2004 في الصفحة التاسعة منه و الفقرة الواردة في القانون التوجيهي بالصفحتين الثانية عشرة و الثالثة عشرة.
يقول النصّ الأوّل إنّ الأولياء طرف تربوي و سند للمدرسة على المؤسسة إعلامهم بانتظام بمسيرة منظوريهم واستقبالهم للتشاور حول كلّ ما يتعلّق بمنظوريهم و إطلاعهم على المشاريع التربويّة و أهدافها و ينص أيضا على أنّ الأولياء مدعوون إلى معاضدة مجهود المدرسة في متابعة منظوريهم و تأطيرهم و احترام التنظيمات البيداغوجية للمدرسة و مكانة المدرّس العلمية.
أمّا النصّ الثاني فيعتبر الوليّ شريكا فاعلا في المدرسة و يلحّ على أنّ الوظيفة التربويّة للمدرسة لا تتمّ إلاّ بالتعاون مع الأولياء و في تكامل مع الأسرة في نطاق مجلس المؤسسة.
هذا كلّ ما نعرفه من التشريعات المنظمة لعلاقة العائلة بالمدرسة وهو لعمري نقص فادح أمام الذي يجري بالمدارس التونسية من أحداث مرعبة أحيانا تقف المؤسسة و العائلة أمامها مشدوهتين .لذا نرى أنّه يمكن تطوير التشريعات الخاصّة بهذا الباب و تنميتها بما يلي :
-التنصيص على العناصر التربويّة التي تعتبر من مشمولات المدرّس من قبيل معاني الانضباط و قواعد الاحترام بكلّ معانيه :احترام النفس احترام العلم احترام الآخر احترام المؤسسة احترام القانون.
-التنصيص على العناصر التربويّة التي تعتبر من مشمولات العائلة من قبيل :القيام بالواجبات المدرسيّة
احترام العلاقات الأسريّة العمل بالضوابط الأخلاقية التخاطب بلغة رقيقة تنأى عن سفساف القول و سفاهة الخلق.
-ضرورة تجاوز وظيفة الوليّ المنصوص عليها في الوثيقتين المذكورتين و حصرها في متابعة منظوره إلى اعتبار الوليّ صاحب وجهة نظر في العمل التربوي و موردا من موارد تقييم العملية التربويّة و واحدا من المفسّرين المعتبرين للفشل المدرسي و الذين يعتزّ بآرائهم.
إنّ الأدوار متكاملة بين العائلة و المؤسسة التربويّة، فما يراه الأولياء قد لا تراه المدرسة وما تراه المدرسة قد لا يراه الأولياء لأنّ كلّ طرف ينتمي إلى فضاء مخصوص يتميّز بميزات لا يختصّ بها الفضاء الآخر ومن دون الوعي بطبيعة كل فضاء يظلّ الفضاءان مسوّرين لا يفضيان إلى بعضهما.
فالفضاء المدرسي لا شك هو فضاء عمومي، و بما أنّه كذلك فهو مهيّأ لتقديم ما هو مشترك بين المتردّدين عليه من علم و أخلاق و معاني المواطنة أمّا فضاء الأسرة فهو فضاء خاصّ لا يعنى في الغالب الأعمّ إلاّ بما هو حميمي و لا يهيء إلاّ لتخريج الطفل رجلا أو امرأة.
لهذا نرى أن ليس كالتلميذ موضوع مراقبة في هذا المجتمع :مراقبة عائلية و مراقبة مدرسيّة تتضافران من أجل جعل التلميذ تحت المجهر باستمرار.
فلم إذن سوء التفاهم هذا ؟ و لم تبادل الاتهامات إذا كانت الأدوار متكاملة على هذا النحو الذي صوّرنا ؟
يزعم المدرّسون و الأولياء أنّ لهم دورا مشتركا متكاملا، إلاّ أنّهم يدخلون أحيانا في صدام .فكيف نفسر ذلك ؟
الحقّ أنّ العلاقة بين الطرفين فيها من التوافق قدر كبير و لكن فيها من سوء التفاهم و الصّدام قدر كبير أيضا.
فالأولياء يشتركون مع المدرّسين في لغة تربويّة واحدة هي النجاح و التربية و الأخلاق و التميّز و حسن التوجيه و هم يؤمنون بالمدرسة إيمانا لا ريب فيه، و مع ذلك فإنّ اختلاف الثقافات بين الأولياء و المدرّسين
و تباين المنحدرات الاجتماعية يفضي في كثير من الأحيان إلى فساد العلاقة بين الطرفين.
المدرّسون يتحمّسون كثيرا لمقاسمةالأولياء المؤسسة أعباءها و يتذمّرون من استقالة العائلةولا مبالاتها بالمدرسةإلاّ أنّهم يرفضون أن يجعلهم بعض الأولياء محلّ سؤال أو يضعونهم في موضع المخطئ.
لكن من الأولياء من يتساءل :كيف يمكن لمساهمة الوليّ أن تكون مثمرة ناجعة إن لم تكن بالمواجهة مع المدرّسين و الاختلاف معه في وجهات النظر ؟ وهو عنوان الديمقراطية.
إننا محتاجون إلى عقد تربوي جديد يربط بين العائلة و المؤسسة التربويّة أو بين المدرّسين و الأولياء، تكون اللبنات الأولى لهذا العقد الاقتراحات التالية.
دليل خاصّ بالوليّ .لم لا ؟
المدرّس أعزل في حرب العلم ضدّ الجهل، و مواجهة الخير للشرّ، و لكنّ العائلة أيضا عزلاء، لا تستطيع اقتحام أسوار المدرسة بنجاح، لذلك يستحيل الحوار بين الوليّ و المدرّس أحيانا إلى حوار طرشان.
و البيداغوجيات الجديدة التي لم تعد جديدة زادت من إرباك العائلة .فالأولياء في معظمهم لم يدرسوا بالطرائق التي يدرس بها أبناؤهم، و كثيرا ما يردّ الطفل على أمّه أو أبيه و هو يتابعه في مراجعة دروسه انحن في المدرسة، لا ندرس بهذه الطريقةب و أمام هذا الاختلاف بين طرائق درس بها الوليّ و طرائق يدرس بها أبناؤه يضطرّ الوليّ إلى الاتصال بالمدرّس للاستفسار حتى يتجاوز عجزه و يقدر على المواكبة إلاّ أنّه كثيرا ما يصطدم بخطاب يشعره أنّه لا يفهم شيئا و أنّ عليه أن يبقى خارج أسوار المدرسة و أنّه لا أمل له في أن يكون شريكا .هذا إذا كان الوليّ من التعلّمين الناجحين، أمّا إذا كان الوليّ ممّن عرف صعوبات في حياته المدرسيّة أو كان فاشلا في دراسته، فالغالب على الظنّ أنّه يحرص على اجتناب ملاقاة المدرّسين لكي لا يحسّ بالإهانة مرّة أخرى في حياته .
لذلك نسوّغ لأنفسنا طرح الأسئلة التالية :
-هل المدرسة هي التي لا تصغي إلى الأولياء ؟
-أم أنّ الأولياء هم المستقيلون ؟
و بقطع النظر عن نوع الجواب عن هذا السؤال، أليس التفكير في إطار مرجعي ينظم العلاقة بين العائلة و المدرسة كفيلا برفع كل لبس و تبديد كلّ شكّ و تقريب كلّ شقّة ؟
أليس من واجب المدرسة توفير دليل مدرسي خاصّ بالوليّ تبصّره بما لا يدركه من شؤون التربية و التعليم و ترشده إلى طريقة التعامل مع المؤسسة و مع المدرّسين و مع منظوره في البيت و خارجه ؟
الجواب بديهي .على المدرسة توفير هذا الدليل و كان يجب أن توفّره منظمات أخرى ذات طبيعة اجتماعية تربويّة فيخف العبء عن إدارة المدرسة و المعهد و لكن إلى أن تبعث هذه المنظمات و تنتشر في مختلف الجهات فإنّ دليلا مختصرا مصوغا بلغة مبسطة قريبة من أذهان الأولياء على اختلاف مستوياتهم التعليمية يعدّ من الوثائق التنظيمية الضروريّة جدّا، يتضمّن خاصّة إرشادات حول ما يلي :
*كيفية اشتغال المنظومة التربويّة النظام الداخلي للمؤسسة ترتيبات الترسيم بالمؤسسة *طريقة متابعة الإدارة للعمل المدرسي أنشطة الدّعم الخاصّة بالتلاميذ المطاعم و المبيتات المدرسية النقل المدرسي المدرسة و الصحّة تأمين التلاميذ في المدرسة المراقبة داخل الفضاء المدرسي الرّاحات و طرائق تنظيمها الأطراف الخارجية المتعاملة مع المدرسة الخرجات
و الرّحلات المدرسة و المال )المساعدات و غيرها ( الحياة الجمعياتية المدرسيّة التوجيه المدرسي و معاييره مجالس المؤسسة )مجلس التربية /المجلس البيداغوجي *
(طرائق التواصل مع المؤسسة و ذلك بتوضيح ما يخصّ المتعلّمين العاديين و ما يخصّ التلاميذ الذين يواجهون صعوبات .
*طرائق متابعةالتلميذ في البيت من قبل الولي؟ كيف يساعده في الأعمال المنزلية؟كيف يفسّر له الثقافة المدرسيّة ؟كيف يحفّزه لمتابعة الدّروس؟كيف يفسّر له رموز التقويمات ؟كيف يمكنه أن يستعلم عن المسارات التعليمية؟
*شروط الحوار مع المؤسسة التعليمية إداريين و مدرّسين على أن تكون هذه الشروط معروفة لدى الوليّ
و المدرّس على حدّ سواء.
و من هذه الشروط أو آداب الحوار نذكر :
من شروط الحواريين الوليّ و المدرّس
من جهة المدرّس والإدارة
1 تخصيص فضاء لائق لعقد الحواريين الطّرفين
2 تخصيص وقت كاف لتنظيم الحوار بينهما
3 اقتبال الوليّ اقتبالا يليق بالمقام و يشي بالاحترام و حسن التعامل و الأخذ بالخاطر و الاستعداد للتعاون
4 إعلام الوليّ بالفترة الزمنية التي يمكن أن يستغرقها الحوار نظرا للالتزامات التي يخضع لها المدرّس
5 التمهيد للموضوع من قبل المدرّسين بعبارات مطمئنة للوليّ تدلّ على أنّ التلاميذ هم أبناؤنا حقّا و هم
أمانة في أعناقنا و نحن نعمل من أجل نجاحهم و ضمان مستقبلهم و بناء شخصيتهم و صقل سلوكهم
6 التكلّم في الموضوع الذي يطرحه الوليّ بعبارات تسمح للوليّ بمغادرة المحلّ وهو مرتاح مطمئنّ يحمل
انطباعات إيجابيّة عن المدرسة و المدرّسين و تدعم الثقة فيها أكثر فأكثر.
7 اجتناب المدرّس السقوط في ما يحبّ بعض الأولياء الذهاب إليه كالطعن في مدرّس آخر و الحرص على
معالجة المشكل المطروح بعقل و رويّة و وجاهة و بنجاعة عملية.
8 الحرص على توضيح ما هو غامض في ذهن الوليّ و خاصّة ما يتّصل بالنواحي التشريعية و البرامج
و مقتضياتها و السياق المدرسي العامّ الذي تجري فيه الدّروس بصفة يوميّة
9 تقديم صورة التلميذ موضوع الحوار بطريقة موضوعيّة فتذكر الإيجابيات الذهنية و عنه باحترام و بعبارات المحبّة واجتناب العبارات التي يمكن أن يفهم منها الكراهية أو حبّ
الانتقام بالعقاب أو التبرّم به إلى حدّ الرفض لكن تذكر نقائصه و عيوبه و ما ينبغي استصلاحه فيه
مع تعداد المحاولات التي تمّت في حقّه سابقا و ما عمل به و ما لم يعمل
10 إفهام الوليّ أنّ حضوره سواء بمبادرة منه أو بدعوة من المؤسسة يعتبر سلوكا إيجابيّا منه أو يدلّ
على شراكة حقيقيّة بين الوليّ و المؤسسة ينبغي دعمها و التعويل عليها في إنجاح العمل التربوي
11 تفهم هواجس الوليّ و تخوّفاته و تبديدها و زرع الثقة بنفسه و طمأنته
12 التعهّد بمزيد العناية بالتلميذ موضوع الحوار
13 الوعد باللقاء من جديد من أجل المتابعة و الإيفاء بنتائج المساعي الإصلاحيّة المشتركة
14 على المدرّس أن يستخبر عن شخصيّة الوليّ و يجمع معلومات ضافية حول مستواه العلمي و وسطه
الاجتماعي و بعض مميّزات شخصيّته حتى يعرف كيف يدير الحوار معه و لا يسقط في الاستفزازات
أو سوء التأويل أو حتّى يعرف كيف يبسّط لغة الحوار و يقرّب المسائل من الأذهان مع الاحتفاظ في
الذهن بأنّ الأولياء المتعلّمين قد يكونون مشاحّين أو مجادلين أكثر من غيرهم من جهة الحديث عن جودة الدّروس و المتابعة الفردية للتلاميذ و أنساق المراقبة و التقويم
15 الاستخبار عن العائلة و عن المناخ الاجتماعي الذي يعيش فيه التلميذ لأنّه قد يكون الوليّ من المغلوبين
على أمرهم و جاء يتظلّم من منظوره لدى المدرّس
16 الوعي بأنّ من حقّ الوليّ متابعة سيرة منظوره التربوية.
من جهة الوليّ
1 أن يستفسر في الموضوع الذي يهمّه قبل اتهام أيّ أحد و أن يحصل على معطيات جديدة قد لا تكون في
حوزته و ذلك لكي تكون له نظرة موضوعية للمشكل فالمعروف أنّ أغلب التلاميذ لا يمدّون أولياءهم بكلّ
الحقيقة أو يخفون جوانب أو أطرافا مكوّنة للموضوع.
2 ألاّ يعالج الموضوع مع المدرّس من موقع الاستعلاء بأيّ صورة من الصّور لا المعرفي و لا الاجتماعي،
و أن يحرص على اجتناب الإغراءات الماديّة التي تفسد العلاقة بين الطرفين
3 الاستماع باهتمام إلى التوضيحات التي يقدّمها المدرّس و التفاعل معها إيجابيّا
4 احترام المقام الذي يجري فيه الحوار و اجتناب الاتهامات و الالتزام بالموضوع الخاص الذي جاء من أجله.
5 اقتراح مساع عملية لإصلاح الوضع المختّل الذي جاء من أجله
6 المطالبة بالمرجعيّات التي تمكّنه من متابعة منظوره بطريقة سليمة و يستمدّها من عند المدرّس أوّلا و أخيرا خاصّة في ما يتصل بالعمل المدرسي.
الخاتمة
تبدو المدرسة العموميّة اليوم محتاجة أكثر من أيّ وقت مضى إلى من يسند جهودها و يعضد مساعيها في تأطير الناشئة و تعلميهم و الأخذ بأيديهم، و ليس كالعائلة مجموعة اجتماعية أقرب إلى المؤسسة التربوية، فهي و منذ أقدم العصور تتميّز بخاصيّة المحافظة على حياة الجنس البشري و ضمان الترابط بين الأجيال و نقل الثقافات المتوارثة عن بعضها البعض فتظلّ بحكم هذه الميزة الموئل الذي يصقل فيه الذكاء و تنمو شخصية الطفل أمّا المدرسة فهي الفضاء الذي يساعد الطفل على التسافي مع العائلة بالقدر الذي يدرّبه على الاستقلالية و التعويل على الذات في الحياة اليوميّة .
إنهما دوران حيويّان و ضروريّان لتخريج الطفل مواطنا موفقا لذلك وجب فهم وجه التكامل بينهما ليبدّد سوء التفاهم الذي يمكن أن يحصل بين الطرفين الفاعلين فيهما.
على أنّه على الوليّ أن يتصرّف مع المؤسسة باعتباره امواطنا وليّاب لا باعتباره اوليّا مواطناب بهذا تكون المواطنة المدرسيّة سلوكا مشتركا بين المدرّس و الوليّ و التلميذ.
بقلم:
ابراهيم
بن صالح
متفقّد عامّ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.