الإستعداد للعودة المدرسية 2025-2026 محور جلسة عمل جمعت وزير التجارة بالرئيسة المديرة العامة للشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق    قفصة: إعطاء اشارة انطلاق موسم الحصاد من إحدى الضيعات الفلاحية بالعقيلة من معتمدية القصر    ''اللحوم ماركت'': فرصة ذهبية ل5 شبان لإطلاق مشاريعهم في بيع اللحوم تحت إشراف الدولة!    في ندوة دولية حول مكافحة الفساد في الرياضة: سوء التصرف المالي صلب الجامعات والجمعيات والتلاعب بالنتائج ابرز تجليات الفساد الرياضي في تونس    معهد تونس للفلسفة يصدر مرجعا بيبليوغرافيا لفائدة المختصين    ''يجيش لبالك فوائد العظم المصموط في فطور الصباح''... تعرف عليها    عاجل: عطلة بيوميْن بمناسبة عيد الأضحى لأعوان الدولة والمؤسسات العمومية    بعد عامين من الغموض.. تقنية فضائية تكشف سرا خفيا وراء اهتزاز الأرض ل9 أيام    عطلة بيومين بمناسبة عيد الإضحى    فتوى شرعية بخصوص ''جلد'' الأضاحي    جندوبة.. حريقان يأتيان على 4 هكتارات من حقول القمح    أكثر من ''زوز ملايين'' معلوم كراء فضاء الزواج بالمسبح البلدي    تونسية ورايتنا مرفوعة: روعة التليلي تتوّج بذهبية باريس    نقطة بيع استثنائية للموز والسكر المدعم بهذه المنطقة استعدادًا لعيد الأضحى    عاجل : تفكيك شبكة للغش في الباكالوريا وحجز أجهزة إلكترونية ومخدرات في سوسة    عاجل/ باكالوريا 2025: تلميذ يُنهي الامتحان في مصحة خاصة    تسجيل تراجع في أسعار الأضاحي بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    عاجل/ ثمانية شهداء ومصابون بقصف الاحتلال خيمة تؤوي نازحين وسط مدينة غزة..    قابس: تقدّم أشغال مشروع تقوية أسس وإصلاح هياكل ومباني المستشفى الجامعي بنسبة 50 بالمائة    وزارة التربية تتابع ظروف سير الامتحان في يومه الثاني    دراسة جديدة.. الطريق لعلاج أوجاع الركبة يبدأ من الأذن    رسميا: منتصر التريكي أول المغادرين للترجي الرياضي    كيريوس ينسحب من بطولة ويمبلدون بسبب الإصابة    30 شهيدا فلسطينيا في استهداف اسرائيلي قرب مركز مساعدات بغزة    عاجل/ العثور على جثة طفلة عمرها 5 سنوات متفحّمة داخل كومة تبن..    الليغا: أتلتيكو يمدد عقد قائده لعام إضافي    ميزة مرتقبة من ''واتساب''...لهؤلاء    بعد الانتصار على بوركينا فاسو... المنتخب التونسي يحقق تقدمًا جديدًا في ترتيب الفيفا    في المحرس: افتتاح معرض سهيلة عروس في رواق يوسف الرقيق    ''سخانة'' عيد الأضحى في تونس.... هكذا يجب التصرف للمحافظة على الطقوس والعادات    الدورة الثامنة للمعرض الدولي لزيت الزيتون من 12 الى 15 جوان الجاري بسوسة    الليلة... قلوب الحجيج تتجه إلى مكة والمشاعر تتهيأ    هل يجوز صيام يوم العيد؟    جندوبة: توقف خط القطارات تونس- عنابة    استعدادات عيد الأضحى: وزارة النقل تعلن عن برنامج استثنائي لتأمين تنقل المواطنين    تنفس... ركّز... وأقرى مليح!    شنوّا تنجم تعطي لطفلك من لحم العيد؟ نصائح غذائية مهمّة لكل أم تونسية    عبد السلام العيوني يحطم رقمه الشخصي في ملتقى باريس لألعاب القوى    الفنانة القديرة سميحة أيوب في ذمة الله    خطير/ دراسة تحذّر: "الخبز الأبيض يسبّب السرطان"..    وسائل الدفع في تونس بعد قانون الشيكات: تغيّرات جذرية وتحولات سلوكية    ابراهيم بودربالة: قطاع الصحة يُعدّ من أبرز المجالات الحيوية والخدماتية المتصلة مباشرة باهتمامات المواطن    جريمة قتل تونسي في فرنسا: وزارة الداخلية تصدر بلاغ هام..#خبر_عاجل    زلزال بقوة 5.8 درجات يضرب تركيا قبالة سواحل مرمريس..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة برئيسة الحكومة..    كأس العالم للأندية: تشلسي يدعّم صفوفه بالبرتغالي إيسوغو    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزير الدفاع الوطني؟    مبادرة إنسانية في جبنيانة: سائق نقل ريفي يرافق تلاميذ البكالوريا مجانًا    كوريا الجنوبية تختار اليوم خلفا للرئيس المعزول    كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة: نسبة التزود بالماء الصالح للشراب بالوسط الريفي بلغت حوالي 95.3 بالمائة على المستوى الوطني    أغنية "يا مسهرني" تورطه.. بلاغ للنائب العام المصري ضد محمود الليثي    أولا وأخيرا .. من بنزرت لبن قردان    نابل: ارتياح في جميع الشعب    عاجل: قناة التاسعة: لم نقم بحذف أي محتوى من الموقع على 'يوتيوب' وخاصة مسلسل 'الرئيس'    وزير التربية يتابع ظروف انطلاق الدورة الرئيسية لباكالوريا 2025 بعدد من المؤسسات التربوية بولايتي تونس وبن عروس    الملتقى العربي لأدب الطفل ينطلق يوم غد الثلاثاء    المؤرخ عبد الجليل التميمي يفوز بجائزة العويس للدراسات الإنسانية المستقبلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيلم «أمواج متلاطمة» لحبيب المستيري: مزيج بين الوثائقي والروائي وإعادة قراءة تاريخ الحركة الوطنية
نشر في الصباح يوم 12 - 11 - 2017

رغم تحفظ كل من المخرج والمنتج، الحبيب المستيري من ناحية وهيئة مهرجان أيام قرطاج السينمائية من ناحية ثانية، عن تبرير عدم برمجة فيلم «أمواج متلاطمة» ضمن المسابقة الرسمية للدورة الحالية للمهرجان، إلا أن صانع هذا الفيلم نجح في تحقيق الهدف الأهم بالنسبة له خلال هذه المناسبة وهو عرض الفيلم على هامش المهرجان.
فكان أن اختطف العمل الأضواء وتدافعت أعداد كبيرة من الجماهير التونسية تحديدا من مختلف الأطياف العمرية وبصفة أخص شريحة ذات خلفيات سياسية وفكرية وثقافية لحضور العرضين المبرمجين على هامش المهرجان، لاسيما أن الفيلم يتناول مرحلة سياسية هامة من تاريخ تونس ويضع الإصبع على قضية ألقت بثقلها على المشهد العام في تونس ما بعد الثورة وتتعلق بتزوير وتحريف تاريخ تونس لفائدة «الدساترة» وتعرية المظالم والجرائم التي قام بها هذا الحزب بقيادة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة من أجل إعلاء «زعامته» دون سواه. لينخرط بذلك المخرج الحبيب المستيري من خلال هذا الفيلم في خانة الصفوف الداعية لإعادة قراءة تاريخ تونس وإنصاف بقية الأحزاب والقوى الوطنية والأفراد التي تم إبعادها من المشهد بتزييف تاريخها وأدوارها من الحركة الوطنية.
ففيلم «أمواج متلاطمة» هو من نوع الدراما التاريخية يجمع بين الروائي والوثائقي ومدته ساعة ونصف. كان أقرب «لمقاربة تصحيحية» لمرحلة هامة من تاريخ تونس وإنصاف من كانوا ضحية مظلمة «سياسية» من خلال التوقف عند الدور الذي لعبه الثنائي المتمثل في الحركة الوطنية ومختلف القوى الوطنية والأحزاب السياسية من ناحية والجيش الفرنسي وبعض الأجانب خاصة منهم الأوروبيين من جانب آخر، على مستويين سياسي واجتماعي في تونس في الفترة الأولى بعد الاستقلال أي من 1955 إلى 1961.
فكانت كل مشاهد الفيلم ثرية بالمدلولات التاريخية بما يدعو ضرورة لإعادة النظر في الحيثيات التاريخية الخاصة بتلك المرحلة وإعادة قراءة بغية إنصاف أحزاب وأفراد وهياكل وطنية أخرى تم طمس وتغييب أدوارها وتضحياتها التي قامت بها من أجل تحرير تونس وبناء الدولة الوطنية. فالفيلم يدين في أبعاده وتفاصيله «الحزب الواحد» وهو الحزب الدستوري المهيمن على المشهد السياسي آنذاك ويفضح في أبعاده «حيف الدساترة» تحديدا في حق جهات أخرى ناضلت وضحت من أجل سيادة تونس وتحريرها بالكامل من المستعمر الفرنسي وذلك من خلال محاولات المحامي «رضا» الذي يجسد دوره محمد السياري في أول مشاركة له في السينما التونسية، وسعيه للوقوف صدا أمام محاولات «حسنون» في دور لأحمد الحفيان التونسي الذي يحمل الجنسية الفرنسية والمجند لفائدة الجيش الفرنسي، لفضح خيانة بعض المنتمين للحزب الدستوري والمتعاونين مع الجهات الفرنسية واحتفاظه بقائمة تدين هؤلاء.
ويعري في جوانب من قضاياه مسائل تتباين حولها المواقف وفيها إدانة للدور الذي لعبه الدساترة في تلك المرحلة من خلال الإشارة إلى «صباط الظلام» و»اليوسفيين» واليساريين والأجانب والفرنسيين والرسائل المشفرة أو العلنية التي تدعو إلى ضرورة إعادة قراءة التاريخ وموضعة المناضلين في الحركة الوطنية وفق ما تسجله الحقيقة التاريخية طالما أن كتاب التاريخ ومن عايشوا تلك المرحلة لا يزالون على قيد الحياة.
ثنائية التعاطف والإدانة
تلاطم الأمواج بين الشد والجذب ينسحب على حالة المشاهد للفيلم في حكمه على «حسون» الذي وجد نفسه متهما من الجانبين بعد استقلال تونس، فهو في منظور التونسيين ذلك الجندي الفرنسي العميل أو مثلما نعته «رضا» ب»المطورن» ليحيل من خلال ذلك إلى مسألة أثيرت في تلك المرحلة وتتعلق بالتونسيين الذين يحملون الجنسية الفرنسية والفتاوى والإشكاليات الاجتماعية التي أثيرت حولهم بما في ذلك رفض دفنهم في مقابر التونسيين المسلمين. في المقابل تتجه له أنظار الفرنسيين على أنه «خائن» و»بيوع» ولا يؤتمن له جانب في صفوفهم باعتبار أصوله التونسية. ليضع المخرج المشاهد بين ثنائيتي التعاطف مع «حسون» أو الوقوف في صف إدانته لكن دون توجيه لمشاعر المتفرجين.
فيضطر «حسون» لمغادرة الجيش الفرنسي وينصحه «الوسيط الحزبي الدستوري» بمغادرة حلق الوادي أين كان يعيش والعودة إلى «الشابة» هروبا من نوايا التصفية ومن كل الشبهات التي تلاحقه. لكنه يجد نفسه في فضاء وعالم آخر تاركا وراءه حبيبته ورفيقة دربه الإيطالية «شانتاليا» في دور تجسده الممثلة الايطالية إيفانا نتاليو ومجالس بعض الأجانب من إيطاليين وفرنسيين ويهود ممن كانوا ينتصرون للقضية التونسية ولاستقلالها وتحررها بالكامل من الهيمنة الفرنسية.
وقد نجح المخرج في المزج بين التاريخي الوثائقي والروائي في هذا الفيلم بما أضفى على العمل تشويقا في القصص والقضايا المطروحة بين ثنايا المشاهد الحميمية التي تجمع بين «حسون» وحبيبته «شانتاليا» أو مشاهد المقهى المنتصب وسط مدينة حلق الوادي بالعاصمة والذي يؤمه الأجانب تحديدا ويتبادلون فيه الأخبار والنقاشات حول وضع البلاد السياسي.
فالفيلم وبقطع النظر عن القضايا السياسية والتاريخية التي يثيرها ويعيد تحريكها على سطح الأحداث من جديد هو يحيل إلى جوانب ثقافية واجتماعية من تونس في الخمسينات والستينات كان فيها للجالية الايطالية والفرنسية والمالطية دور كبير في إدخال نمط حضاري يغلب عليه التحرر في تونس في ذلك الوقت. وهو نمط كان حاملا للحب والحياة والجمالية والتحرر ليعم بعد رحيلهم أو ترحيلهم البؤس من خلال نمط حياة «حسون» الذي ضرب بعرض الحائط «الخرافي» المسيطر على المجتمع التونسي ويتزوج «خديجة»الأرملة، التي ينفرها الجميع على اعتبار أن كل من يتزوجها يموت وهو بذلك يحيل إلى وضعية المرأة التونسية في تلك الحقبة التاريخية بما هي محبة للحياة وساعية للإثارة وصاحبة مبادرة متمردة على السائد وكان المخرج أراد من خلال هذه المرأة أن يضفي الأسطوري على الفيلم من خلال ما يروج حول «برج خديجة» المعروف في أوساط الشابة.
لكن ورغم انغماس «حسون» في محيطه الجديد مع البحارة والمعلم اليساري إلا انه ظل مسكونا بهاجس فضح «خونة» تونس من الدساترة خاصة بعد أن أحس أن لعنة التصفية لا تزال تلاحقه من خلال إفشاء القائمة لصديقه السياري فيجد في التطوع للمشاركة في حرب بنزرت ليحقق بذلك حلمه في الانتماء للجيش التونسي وإفادة بلده بخبرته التي اكتسبها بالعمل في صفوف الفرنسيين وإثبات وطنيته من ناحية أخرى ليستشهد في المعركة ويقضي بذلك الدساترة على أمل إفشاء سرهم بإتلاف الوثيقة التي كانت بحوزته وتدينهم.
فكان المزج في المشاهد بين التاريخي من أرشيف التلفزة التونسية والذي يتعلق بخطاب الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة والتركيز في حديث الدساترة عن مصطلح «الزعيم» الأوحد بما يحيل على سياسته في تكريس الحزب الواحد ونفي وطمس وتغييب مجهود ونضال البقية وذلك من خلال تواتر مشاهد بالأبيض والأسود لعودة بورقيبة من المنفى أو بعض خطاباته ومشاهد مصورة من حادثة الاعتداء على ساقية سيدي يوسف ولحرب الجلاء ببنزرت. فكانت كل المشاهد قابلة لقراءات متعددة مثيرة لاستفهامات حول مدى مصداقية التاريخ المكتوب عن تلك المرحلة من تاريخ تونس. ولعل ما يحسب لهذا الفيلم المتقن حبكة في النص والمحاور المطروحة فضلا عن الفنية العالية في الصور والمشاهد التي تؤكد تميز مدير التصوير الشاب حاتم العشي وللمبدعة كاهنة عطية في التركيب، هو الأداء المتميز للممثلين الذين جسدوه وهم كل من انفي الذكر أحمد الحفيان ومحمد السياري والإيطالية إيفانا ناتاليو إضافة إلى الهادي صيود في دور البحار وعاطف بن حسين في دور المعلم اليساري «فرج» وفاطمة ناصر زوجة البطل «حسون».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.