كان عصام الشابي الأمن العام للحزب الجمهوري قد وصف المشهد السياسي، لدى إعلانه انسحاب حزبه من حكومة الوحدة الوطنية، بكونه «متعفنا» ويبدو أن هذه الصفة لا تع ّر بدقة عن الحقيقة لأن المشهد متعفن جدا بالنظر إلى عدة دلائل لا يمكن تنزيلها إلا في أطر المفارقات التي اعتدنا عليها في سياق مسار الانتقُال الديمقراطي مثار الإعجاب في عديد الدول والأنموذج المسّوق له. ولأن الأمثلة كثيرة إن في التصريحات أو التحركات الحزبية وكذلك بث الإشاعات يجوز القول أن الساحة السياسية لا تعكس حقيقة استقرار سياسي بقدر ما هي ساحة تعتمل فيها مناورات ودسائس وتسريبات وتحالفات وانسلاخات وجبهات مُؤسسة على اللامنطق وموجهة نحو المجهول. وهذا التوصيف في واقع الأمر «فوقي» لما فيه من تعال عن قضايا المواطن التي تحجبها غابة «العفن» السياسي ولما يحمل في طياته أيضا من تغافل عن دور مفهوم السياسة ككل ودور الأحزاب والشخصيات السياسية في صلب دولة حديثة. ومادام ظاهر المشهد السياسي على هذه الحال يمكن توقع كل شيء مما لا يفصح عنه المستور، فنشر وثيقة من حزب النداء تقيم أداء رئيس الحكومة وتعدد التكهنات بخصوص المستقبل السياسي ليوسف الشاهد ونشر أحد المواقع الاجتماعية خبرا عن وفاة رئيس الجمهورية منتحلا شعار قناة تلفزية أجنبية وعودة الوطني الحر إلى الحكومة بلا مقدمات وبعث جبهة برلمانية «وسطية تقدمية» بدور غامض وأهداف مبهمة يضعنا حتما في صلب المشهد. صلب المشهد يشي بوجود فئة تلعب دور «عرّاب النهايات» وفي هذا السياق تكون الوجهة رئيس الجمهورية ومستقبل الشاهد وأكثر من ذلك نهاية التوافقات والتوازنات والاستقرار النسبي السائد في البلاد بما يفتح أبواب الفوضى فيما يتيه المرء لو حاول،عبثا، البحث عن جذور للفوضى أو منابع لها. يحصل كل هذا في بلد ال 700 ألف عاطل عن العمل والحفنة من الوسطاء المحتكرين للخضر والغلال، ومافيات تخريب الاقتصاد، بلد يفضل فيه شباب الغرق في البحر على الإقصاء والتهميش وانسداد الآفاق و»تعطيل» المستقبل في دولة تراهن على الشباب. لا يمكن أن يحصل كل هذا، بل ويستمر بنسق تصاعدي، إلا في ظل مشهد سياسي متعفن، ومتعفن جدا.