احمد دخيسي أهدي هذا الكلام إلى أولئك الذين يحملون الجثث المتعفنة في نفوسهم ويأبون أن يدفنوها، حتى أصبح العفن حائلا بينهم وبين عبق الشعب. بعد هذا الإهداء، مرحبا بسلق الألسنة الحداد ونهش الأظفار والمخالب النحاسية. لا تحتاج الأزمة الحزبية بالمغرب لكثير عناء لرصدها. أحزابنا تتناسل كالفطريات، أيها أكلنا تسممنا وبأيها اقتدينا ضللنا. لعل البعض ينخدع بتعدد الأحزاب السياسية ويعتبر ذلك تعددا سياسيا وحراكا ديمقراطيا حقيقيا وأن الذي يرى عكس ذلك فهي أعمى ويروج لخطاب العدم والتضليل. لكن إذا نظرنا إلى المشهد الحزبي المغربي بعين فاحصة وناقدة يتضح جليا أن هذه "التعددية" الحزبية (أكثر من ثلاثين حزبا لشعب من ثلاثين مليون نسمة) لا تعكس تعددية سياسية حقيقية بقدر ما هي تعددية رقمية مزيفة تدور في فلك الأحادية السياسية. فالساحة السياسية المغربية تعج بالأحزاب في مشهد عبثي لا يمت بصلة إلى الديمقراطية والتعددية السياسية والسند الجماهيري. لا فرق يبن حزب يشارك في الحكومة وآخر في المعارضة، المشهد واحد وهو: التنميط بحيث يتم توزيع الأدوار بينها بين أحزاب ورقية في الحكومة وأخرى تتقن لعب دور أحزاب المعارضة لتزيين الديكور. لكن المواطن، خاصة الشباب، أعطى هذه الأحزاب حجمها الذي تستحق وتركها تتسابق لوحدها في الانتخابات الأخيرة فاختار العزوف عن هذه الأحزاب الموسمية. لا يمكن تفسير ذلك على أن الشباب يعزف عن ممارسة حقه السياسي أو عدم نضجه السياسي والفكري بل هو عزوف عن هذه اللعبة المملة التي لا تأتي بخبز ولا كرامة. على مدى السنين الماضية، تعرضت الأحزاب السياسية المغربية لانشقاقات انشطارية كثيرة أفقدتها كل مدلول وأفرغتها من أي محتوى. كما لا يرى الحزبيون أي ضرر في الحل والترحال بين حزب وحزب كالقرد الذي يقفز إلى شجرة أخرى عندما تتقصف أغصان الشجرة التي هو عليها. إنها لعبة أطفال وليست ديمقراطية. كما أن المرشحين (الكثير منهم بدون شهادة تعليمية ابتدائية) يترشحون في كل انتخابات باسم حزب معين لتجدهم في الانتخابات القادمة مرشحين باسم حزب آخر، ومنهم من يعرض تزكية للحزب حصل عليها للبيع. لا مبادئ ولا ولاء حتى أصبح الحزب كائنا رخويا لا مفاصل ولا عظام ولا برنامج سياسي واضح. ماذا بقي لهذه الأحزاب غير قصة الاجترار أو لعنة الاعتذار، شاخت على نمط عقيم من العمل السياسي ولغة خشبية بائرة لم تعد يباع.