لقد واكبت جهة بنزرت حلقة من حلقات النضال الاجتماعي والسياسي الحديث بفضل العديد من أبنائها البررة الذين تميزوا بالصمود والوفاء إلى منابت الجدود وتناول الأديب رشيد الذوادي التعريف بالعديد من أعلام جهة بنزرت من الذين وهبوا حياتهم لإثرائها في مؤلفاته «بنزرت أرض البطولات» و»أعلام من بنزرت» و»بنزرت تحكي» و»وجوه من بنزرت» فعند تقديمه للمؤلف الأخير الدكتور مصطفى عبد القادر النجار الأمين العام للاتحاد المؤرخين العرب ذكر بأنه: «وجدنا رجالات كان لهم دوراً في صنع المستقبل من هؤلاء فقهاء، وقضاة، وأعلام في التاريخ، والنضال الوطني والنقابي والثقافي.. وتجسمت سمة الكاتب في الدقة، ومحاولة الكشف عن كل ما يعرف عن هؤلاء الوجوه ويدعونا إلى الأخذ بأسباب النهضة الفكرية والاعتزاز بماضي الأمة العربية، وفيه اسهام واضافات عن ماضي مدينة بنزرت وماضي تونس العربية، والتعريف بهذه الرجالات يعد ضرباً من ضروب الحفاظ على الذاتية الوطنية وتقديم النموذج للناشئة لمن أخلص لتونس ورفع رايتها بين الأمم». ومن المتعارف عليه دوماً تقدير المعاصرين لأولئك الرجال الذين خدموا تونس وأخلصوا إليها وساهموا بصدق في معارك الكرامة والشرف، ولا أبالغ إذا ما قلت بأن المناضل الوطني الحبيب طليبة كان بذرة صالحة بحق في جهة بنزرت، وهب حياته للنضال السياسي ضد الاستعمار الغاشم، وللنضال النقابي حيث كان أحد ثوار الحركة العمالية في تونس والذي وافاه الأجل في 2 ديسمبر 2012، حيث أفرد له الأديب رشيد الذوادي مؤلفه الجديد الصادر سنة 2017 تحت عنوان « الحبيب طليبة.. وذاكرة وطن». استهل الكاتب رشيد الذوادي في مؤلفه الجديد تناول مسارات العمل النقابي التونسي مبيناً أن الحركات النقابية هي حركات شعبية وذات دلالات وأهداف اجتماعية، وعملت على تحسين أحواله قدر الإمكان إلى واقع أفضل، وموضحاً في الآن نفسه بأنه خير من عنوا بتوضيح مقاصد الحركات النقابية في تونس هو الزعيم النقابي الكبير فرحات حشاد بمقاله الصادر بمجلة الندوة التونسية في 12/12/1953 تحت عنوان «الحركة النقابية بشمال افريقيا». اثرها انتقل الأديب رشيد الذوادي في مؤلفه بالحديث عن جهة بنزرت الحاضرة دوماً، مبيناً موقعها الجذاب، وألوان نظام الحكم التي عرفتها بداية من الرومان، مروراً بالفاتحين العرب، وصولاً إلى قدوم الفوج الأول من الأندلسيين، إضافة لإنجازات الأغالبة والفاطميين والحفصيين بجهة بنزرت، ونتيجة لموقع بنزرت المتميز الذي يسمح بعلمية الربط بين تونس وأوروبا أوضح الكاتب تعدد التطلعات الإمبريالية حينها لبسط نفوذها على الجهة نظراً لأهمية مجالها الحيوي، واعتباراً لهذه الخصوصية كان على أبناء الجهة أن يذودوا عن الهوية وعن الحمى ضد المستعمر الغاشم. بعد تقديم الكاتب رشيد الذوادى في مؤلفه الدور الذي لعبته بلدة منزل جميل مسقط رأس المناضل الوطني الحبيب طليبة بمواقفها الوطنية دفاعا عن الهوية واستحقاقات العمال ومطالبة سكانها المستعمر بالحرية والعيش الكريم من خلال الاضرابات التي عرفتها البلدة سنة 1919 والتي تم حلها بالتدخل المسلح، واضراب غلاء المعيشة سنة 1923 بعد أن تم خفض الفرنك الفرنسي بنسبة 50% من قيمته بحساب الدولار، معدداً في الأن نفسه بنخبة من مناضلي بلدة منزل جميل من بينهم الحبيب الغربي- بدر الدين الدغار- محجوب بن علي... تدرج بالحديث عن أحد أبطال هذه البلدة وهو المناضل الوطني الحبيب طليبة». وعن شخصية المناضل الحبيب طليبة حدثنا مؤلف هذا الكتاب بأن هذا الرجل عاش عصامياً، أوقف حياته على النضال وعلو الهمة منذ نشأته ببلدة منزل جميل بعد أن تلقى تعليمه بالمدرسة الابتدائية بها، وفي طور شبابه انخرط في الحراك السياسي منذ 1942 في الحزب الحر الدستوري الجديد، ونتيجة تحديه للقوات الاستعمارية تعرض للمضايقات والاعتقالات، والابعاد والنفي بوصفه كاتباً عاماً للاتحاد الجهوي للشغل ببنزرت بعد قيادته لعشرات المظاهرات في أحداث جانفي 1952،إلى جانب اسهاماته الوافرة في قيادة معركة الجلاء عن بنزرت سنة 1961 حيث خرج أثناء المعركة وأبلى فيها البلاء الحسن مع عديد المناضلين. وذكر الأستاذ رشيد الذوادي في مؤلفه بعديد المسؤوليات الحزبية التي يحملها المناضل الحبيب طليبة، حيث انتخب عضوا بالمجلس الوطني التأسيسي سنة 1957 لسن أول دستور للبلاد، وانتخب لعضوية مجلس الأمة طيلة ست دورات متتالية، وترأس بلدية منزل جميل لعديد الدورات، وفي المجال المهني والتنموي أسس وأدار «التعاضدية العمالية للبناء والتشييد بمنزل جميل» و»الاتحاد الجهوي للتعاقد ببنزرت». وإلى جانب نشاط الحبيب طليبة السياسي أبرز الكاتب رشيد الذوادى في مؤلفة وفاء الحبيب طليبة النادر للاتحاد العام التونسي للشغل بوصفه مكسباً شعبياً حيث تحمل هذا الأخير عديد المسؤوليات في صلب المنظمة الشغيلة الأم من أهمها «الكتابة العامة الجهوية للاتحاد العام للشغل ببنزرت» وانتخابه «ككاتب عام مساعد للاتحاد العام التونسي للشغل وفي عضوية الهيئة الإدارية المركزية للمنظمة في فترة تولى رئاستها من طرف النقابي الصادق أحمد بن صالح، كما تولى الحبيب طليبة رئاسة «اللجنة الوطنية لتوحيد الحركة النقابية التونسية سنة 1987 وتمكن خلالها من لم شمل كافة الأطراف النقابية حول المنظمة. إضافة لما تقدم بين الأديب رشيد الذوادي مشاركة الحبيب طليبة في عديد المؤتمرات النقابية الدولية ضمن المنظمة الكونفدرالية الدولية للشغل (السيزيل)، مكنته من ربط علاقات مع شخصيات عالمية، بفضل زيارته لعديد العواصم، فجالس رئيس الدولة الغينية حينها (سيكوتورى) سنة 1958 واقتبل سنة 1965 من طرف الرئيس (ليبول سيدار سنغور). وعن كتابات الحبيب طليبة في الصحافة المكتوبة ذكر الكاتب رشيد الذوادى أن المناضل الحبيب طليبة ترك ارثاً فكرياً سخياً من خلال مقالات صادرة له بجريدة صوت العمل فكتب عن قضايا قوامها مضاعفة العمل، وتوحيد الصفوف، واليقظة الدائمة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، كما كتب عن اعتزازه بأحمد التليلي وبدوره في الحركة الوطنية، وعن مهندس المخططات الاقتصادية أحمد بن صالح. واستخلص رشيد الذوادي في الجزء الأخير من مؤلفه بأفضال هذا الرجل، وبصماته التي تركها والتي تعد بحق أجدى حلقات النضال السياسي والاجتماعي في ذاكرة وطنه، تم تدعيمها في هذا المؤلف بعديد الشهادات لكل من أحمد بن صالح، والشاذلي القليبي، ونور الدين حشاد، التي وضحت الدور البارز الذي أداه الحبيب طليبة في مجالي النضال الاجتماعي والسياسي في وطنه. وفي النهاية يبقى هذا المؤلف «الحبيب طليبة.. وذاكرة وطن» أحد المراجع التي تنضاف إلى جهود الكاتب رشيد الذوادي وإلى ما قام به أبناء جهة بنزرت في سبيل الحريات ومن أجل تحقيق التطلعات لبناء مجتمع متوازن يهفو أبناؤه إلى تحقيق الرفاهية والتقدم. (*) باحث وناشط في الحقل الجمعياتي بمدينة بنزرت