أثارت القائمة السوداء التي أعلن عنها الاتحاد الأوروبي أمس الأول والتي أدرجت فيها تونس من بين 17 ملاذا ضريبيا، جدلا واسعا بين الأوساط التونسية في ما يتعلق بالتداعيات التي ستنجر عن هذا التصنيف الجديد على المستوى الاقتصادي والسياسي خاصة أن الاتحاد الأوروبي يعد الشريك المميز لبلادنا. وأفاد مراد الحطاب الخبير في المخاطر المالية ل"الصباح" بان هذا التصنيف سيكلف تونس خسائر كبيرة أهمها تراجع الاستثمارات الأجنبية وعزوف المؤسسات الدولية للتراقيم والتصنيفات السيادية مراقبة بلادنا وتصنيفها ضمن بقية الدول العالمية في العديد من المستويات الاقتصادية. وأضاف الحطاب أن جميع آليات التمويل الأوروبي والمؤسسات المالية المانحة ستتراجع عن تمويل تونس مستقبلا، فضلا عن توجه كل اتفاقيات الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي إلى المراجعة والتعديل بما في ذلك الهبات والمساعدات والقروض الأوروبية، مبينا أن هذا التصنيف سيكون له تأثير مباشر على الدينار التونسي والسياحة والتصدير أهم محركات الاقتصاد. وستكون لهذه الوضعية تداعيات وخيمة لان اليوم تونس لا تتحمل أي هزة في ما يتعلق بموضوع القروض لأنه في حال عدم إيجاد حلول لهذا المشكل ستتعطل بلادنا في تسديد وخلاص ديونها في السنوات القادمة، و"كأنه وبهذا التصنيف يدفع الاتحاد الأوروبي إلى وضع تونس في موقع التعثر في سداد الديون وهو ما سينجر عنه بصفة آلية شطب تونس تماما وجرها إلى نادي باريس أو نادي لندن" حسب ما أفاد به. كما بين الخبير في المخاطر المالية أن الاتحاد الأوروبي سيعدل عن تمويل الجمعيات في تونس خاصة بعد أن تم فسخ تونس منذ شهر تقريبا من قائمة البلدان ذات الأولوية في تمويل الجمعيات، مضيفا أن المعاملات بين بلادنا والمفوضية الأوروبية بشكل عام ستوضع في الميزان. وأشار الحطاب إلى أن التوقيت الذي اختاره الاتحاد الأوروبي لإدراج تونس في القائمة السوداء مدروس تزامنا مع مناقشة قانون المالية لسنة 2018، هذا القانون الذي يعد جزءا كبيرا من المشكل في فصله المتعلق بمواصلة منح الامتيازات الجبائية للشركات المنتصبة في تونس وحتى في بلدان المنشأ وإعفائها من الجانبين والحسم فيه بالمصادقة عليه مؤخرا، كما أن قانون المالية في أكثر من مرة لم يمتثل إلى مبدأ «قاعدة خلاص الأداء في إطار متناظر» مما أدى إلى بروز هذا المشكل. إلى جانب هذه الأسباب، أكد الحطاب أن الموضوع سياسي بدرجة أولى باعتبار أن هناك تقارير ومؤاخذات وجهت إلى تونس في وقت سابق وقع التغافل عنها وكانت بالتالي ردة فعل الاتحاد الأوروبي كعقوبة لتونس لعدم أخذها كل هذه التقارير على محمل الجد. حيث رفع الاتحاد الأوروبي لعدد من البلدان مثل المغرب وتونس قبل سنة تقرير دونت فيه جملة من المؤاخذات حول منظومة مقاومة التهرب الجبائي الدولي وتمويل الإرهاب وتبييض الأموال تحديدا من قبل مجموعة العمل المالي الدولية، فضلا عن التقرير الثاني الذي رفعه مجمع مختص في مكافحة الجريمة والمخدرات خلال السنة الجارية سوقت فيه ضرورة اتخاذ حلول عاجلة في ما يتعلق بالجباية وتنظيمها لكن يبدو أن هذه التقارير تم غض البصر بشأنها من قبل الدولة نظرا للوضع غير المستقر في البلاد وعدم وضوح الرؤية خاصة ما بعد سنة 2015 حسب تعبير محدثنا. كل هذه الأسباب جاءت كردة فعل حاسمة وقطعية تجاه تونس وكانت كافية ليعتمدها الاتحاد الأوروبي كأهم العوامل في إدراجه لبلادنا ضمن القائمة السوداء، والمطلوب من الحكومة تجاه هذا التصنيف الذي وصف ب «الخطير» حسب محدثنا تبسيط الإجراءات والقوانين الخاصة بالجباية فاليوم لدينا في تونس 5 مجلات جبائية و3 أنظمة جبائية ولدينا وضعيات لا تتماشى والمعايير الدولية في مجال الجباية من قبيل الشفافية وتكريس العدالة الجبائية. كما أشار الحطاب إلى أن تونس وضعت في ظرف خمس سنوات فقط ما يناهز ال570 إجراء جبائيا بمعدل 80 إجراء في السنة الواحدة وهو ما يؤدي إلى غياب الشفافية المالية، مضيفا أن الاتحاد الأوروبي كان قد أعطى رأيه منذ السنة الماضية ونبه تونس الى ضرورة اتخاذ إجراءات لتنظيم 12 ألف مؤسسة غير مقيمة تتمتع بكامل أصناف الامتيازات الجبائية وحتى الاجتماعية التي تعتبر قلاعا محصنة ولا يمكن الولوج إليها حتى من قبل مصالح الديوانة والجباية لكن لم تقم إلى حد اليوم بلادنا بإعادة هيكلتها. من جهتها، لم تقف الحكومة ساكنة أمام هذا التصنيف الجديد وأعلنت عن موقفها في أكثر من تصريح رسمي، كما أخذت المسالة منعرجا جديدا على خلفية تصريح سفير الاتحاد الأوروبي بتونس باتريس بارغاميني الذي أفاد من خلاله بأنه سيتم استئناف المحادثات بين الاتحاد الأوروبي وتونس خلال شهر جانفي المقبل لحذف تونس من القائمة السوداء للملاذات الضريبية. وتبقى المخاوف قائمة بشان هذا التصنيف الخطير لبلادنا في وقت تحتاج فيه لأي دعم مادي من شركائها وحتى معنوي لترويج صورتها في الخارج في أحسن حالتها، في انتظار الحسم نهائيا في هذه المسالة مع مطلع السنة المقبلة خاصة أن تونس محملة بالكثير من التحديات في الفترة القادمة لتحسين مناخ الاستثمار والأعمال والرفع من كل المؤشرات الاقتصادية. ◗ وفاء بن محمد ما هو الملاذ الضريبي؟ الملاذ الضريبي «سلطة» تعرض على دافع الضرائب ظروفا متميزة للدفع وإجراءات اقتصادية أخرى تناسب الأجانب سواء الأفراد أو الشركات. قد يكون الملاذ الضريبي بلدًا يعرض على الأجانب أقل معدل ممكن من الضرائب في بيئة مستقرة اقتصاديًا وسياسيًا لا يجري فيها تبادل المعلومات الضريبية مع المناطق القادم منها الأجانب أو تتبادلها بشكل محدود. ولا يوجد تعريف عالمي للإجراءات التي تمنح بلدًا ما وصف «ملاذ ضريبي» لكن يوجد قاسم مشترك بين المناطق التي تقدم هذا النوع من الامتيازات. تصنيفات الملاذات الضريبية توجد ثلاثة أنواع من الملاذات الضريبية تستخدمها الشركات في العادة كوسيلة لتقليل ما عليها من ضرائب إلى أقل حد ممكن. وأنواع الملاذات الضريبية الثلاثة هي الأساسية وشبه الضريبية والانتقالية «الموصلة» لملاذات ضريبية. الملاذات الضريبية الرئيسية :هي الأماكن التي ينتهي إليها رأس المال. الملاذات شبه الضريبية هي المناطق التي تنتج السلعة بهدف بيعها خارج حدود المنطقة. وتزداد فرص تحول منطقة ما إلى ملاذ ضريبي عندما تفرض ضرائب على المداخيل المحلية فقط وعندما تقيم منطقة حرة توفر تخفيضات ضريبية. الملاذات الضريبية الانتقالية أو «الموصلة» هي مواقع يجري فيها جمع وتوزيع إيرادات المبيعات خاصة المبيعات الخارجية. في مناطق الملاذات الضريبية الانتقالية يُجرى سداد التكاليف الفعلية للمنتجات ونقل الأرباح الإضافية إلى الملاذ الضريبي الرئيسي. وسبب نقل الأرباح الإضافية هو أن الملاذ الضريبي الرئيسي يملك حق الحصول على الأرباح لحيازته للملكية الفكرية التجارية. ضرائب ضائعة وذكر تقرير لمؤسسة «شبكة عدالة الضرائب» أن الإيرادات الضريبية المفقودة في أنحاء العالم تتراوح بين 190 و255 مليار دولار سنويا، وهو ما يساوي نحو 3 في المائة من مكاسب رؤوس الأموال. وأشارت الشبكة أيضا إلى أن ما يتراوح بين 21 و32 تريليون دولار مخبأة في ملاذات ضريبية في أنحاء متفرقة من العالم.