المصائب لا تأتي إلا تباعا هذا ما يحدث في العالم العربي المثخن بجروحه من العراق إلى اليمن إلى السودان وسوريا وليبيا وفلسطين نكبة تلو النكبة دون مؤشر على نهاية النفق وقد جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليوجه إهانة لا للفلسطينيين ولكن لكل العرب والمسلمين ولكل من تمسكوا بالقانون الدولي وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي المنكوب.. لا ندري أي الأحداث أشد تعقيدا وخطورة من الأخرى وهل أن نهاية الرئيس اليمني المخلوع عبد الله صالح أقل وطأة على المواطن العربي من تنفيذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعده الانتخابي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدسالمحتلة وإجهاض كل القرارات الأممية الملزمة وغير الملزمة في لحظة انتشاء بتحقيق الحلم الإسرائيلي الذي قام على حساب الشعب الفلسطيني، أو ما إذا كان ما سبق أيضا أقل أو أشد وقعا من نتائج قمة الكويت الخليجية التي انتهت قبل حتى أن تبدأ ليروي بيانها الغائب عنوان مرحلة الانهيار والسقوط الجديد لأمة تنازلت عن الأرض والعرض حتى لم يعد لها ما تتنازل عنه للأعداء أو ما يمكن أن تخفي به خيباتها وعوراتها عن الشعوب التي لم تعد حتى تتطلع إليها.. أسبوع مزدحم بالأخبار المحملة بالانتكاسات يفاقم بعضها البعض في حجم القتامة التي تخيم على المشهد العربي الذي يستعصي عن الفهم والفهم فلا هو يسعد قريب ولكنه يريح العدو ويدفعه إلى الاقتناع بأنه لو حدث ما حدث فلن يحرك ذلك ساكنا في عالم تعود على الماسي فألفها والفته حتى انه لم يعد بإمكانه العيش بدونها.. استفاق العالم غداة إعلان إدارة أوباما موافقتها نقل مقر سفارتها إلى القدس وكأن شيئا لم يكن.. دعوات هنا وهناك لوقفات احتجاجية وبيانات استنكار ومطالب بجلسة عاجلة للأمم المتحدة وأخرى لعقد قمة إسلامية في إسطنبول يعلم الجميع نتائجها مسبقا والتي لن تدفع ترامب للتراجع ليس لانه لا يتراجع ولكن لان الجميع انتظر في استسلام صدور القرار للتحرك والحال انه كان يفترض استباق الحدث والتحرك على كل المستويات الرسمية والشعبية والإعلامية والديبلوماسية لمنع صدور القرار. وفي ذلك إصرار على تلك المقولة الخاسرة «لكل حادث حديث» لأنها تعكس خيبة في التفكير والتدبير وعجزا عن استقراء الخطر القادم... تواتر الخيبات لا يتوقف عند حد ولا ندري ان كانت نهاية عبد الله صالح مرتبطة بما كشفه قبل قتله من وثائق لشأن اتفاقات عربية إسرائيلية للتنازل عن الحق الفلسطيني، فقد رحل عبد الله صالح حاملا معه سره ونهايته البشعة تلخص وحشية وعبثية المشهد الذي قد يكون مقدمة لرسم خارطة جديدة لليمن المفكك وانفجاره بعد وقوعه فريسة بين أنياب الإخوة الأعداء المتناحرين في الداخل وصواريخ التحالف الدولي من الخارج.. موت أو اغتيال أو تصفية عبد الله صالح كانت نتيجة حتمية للمشهد اليمني والعربي السريالي ولعل الأسوأ لم يحدث بعد. كيف وصل الأمر إلى هذا الحد من التفكك والسقوط إلى الهاوية بعد أن تمكن التوحش من الشعوب العربية التي باتت تأكل لحم بعضها البعض ويقتل بعضها البعض، يستبيح ويدمر بعضها البعض فباتت عاجزة حتى عن حماية امن واستقرار شعوبها؟.. المشهد العربي اليوم خارج التصنيف حيث تتعدد الحروب والأزمات ويتحول المواطن العربي إلى وقود لها... قبل حتى فوزه في الانتخابات وعد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وهو اليوم ينفذ وعدا قطعه على نفسه يراع العرب ظلما وابتزازا واستفزازا ويراه اليهود مكسبا وانتصارا.. راهن العرب على تراجع ترامب كسابقيه ولم يدركوا ان المشهد تغير تغييرا جذريا وأن كل صرخات وبيانات وانتقادات وشكاوى الدول العربية والإسلامية الى المنظمات الدولية والإقليمية لن تؤثر في قرار الرئيس الأمريكي الذي سيحول لهذا الخيار أنظار الرأي العام الأمريكي عن تورط مستشاريه في التواصل مع الروسيين خلال الانتخابات.. لا شيء يمكن أن يضغط أو يدفع ترامب لمراجعة قراره وهو الذي سخر من قدرات العرب الذين يهددونه بمسدس فارغ على حد تعبيره، وقد استطاع خلال أقل من عام على ولايته أن يبتز السعودية ويحصل على ما لم يحصل عليه رئيس أمريكي قبله ويوهم دول المنطقة بأن إيران العدو الأول والخطر الأكبر الذي يتعين تطويقه وأن إسرائيل حليف يتعين فقط فهمه.. اختبار ترامب مثل هذا التوقيت يؤكد أن الرجل متابع جيد للأحداث وأن العرب منشغلون بالبحث عن تفاصيل جريمة الاغتيال التي نفذها الحوثيون والمقارنة بينها وبين اغتيال القذافي.. طبعا الذنب ليس ذنب عبد الله صالح وحده فهو يظل جزءا من مشهد مقزز سبقه إليه الرئيس العراقي والليبي ومن يدري فقد يكون تمهيدا لمشاهد مشابهة قبل اكتمال المشهد.. ضياع القدس التي يقدمها ترامب هدية للكيان الإسرائيلي خاتمة لوعد بلفور الذي مضى عليه قرن من الزمن ولكنه مقدمة جديدة لسقوط وشيك لليمن وضياعه كما ضاع قبله العراق. يحدث ذلك في زمن الثورة التكنولوجية وتحت أنظار العالم الذي يشهد أطوار جريمة جديدة يشترك في صنعها القادة العرب الذين احتكموا للجهل والتخلف والعصبية القبيلة والفساد وتحالفوا مع العدو ضد أبناء الوطن الواحد.. جاءهم ترامب عاشقا، رقص معهم رقصة السيف فأعجبوا به وقلدوه ارفع الأوسمة وعقدوا معه صفقة القرن وفتحوا له كنوز الأرض يأخذ منها ما شاء ليكتشفوا، ولكن بعد فوات الأوان، ان صفقة القرن تحولت إلى صفعة القرن.. الأكيد انه لولا حصول ترامب على موافقة العرب ما كان أقدم على هذه الخطوة.. تعددت النكبات والخيار واحد... بقي من المهم الإشارة إلى أن الصدمة التي أثارها قرار ترامب يمكن ان تكون إيجابية اذا تحولت الى محفز للشعب الفلسطيني وليس لأحد غيره باستعادة قراره والاستعداد للمرحلة القادم وإحياء انتفاضته المجهضة واستعادة حقه المسلوب فلا ضاع حق وراءه طالب، أما الحديث عن دور وموقف عربي فهو من العبث حتى لا نقول أكثر من ذلك.. كل بيانات التنديد والاستنكار والوعيد لن يكون لها معنى و شيء غير توحيد الصفوف واستعادة حق تقرير المصير الذي يعرف الفلسطينيون طريقه.. لسنا نريد الانسياق وراء مشاعر الإحباط التي نغرق فيها ولكن الأكيد ان اغتيال عبد الله صالح إنذار بدفع اليمن إلى الأسوأ وربما إلى التقسيم والتفكك كما حدث في السودان والعراق وربما كما يحدث في سوريا.. وبالعودة إلى اليمن لم يكن صالح خائنا ولكن لم يكن بطلا أيضا ولكنه كغيره من القادة الذين لم يستوعبوا حدود المسؤولية والدور الذي تحملوه. قتله غباؤه السياسي الذي جعله عبدا للسلطة استنزف بلاده ودمر شعبه وفشل في استعادة حكمه قبل ان يقتله رصاص حليفه السابق الحوثي الذي انفض عنه .. سيبقى ال4 من ديسمبر موعدا فاصلا في تاريخ اليمن الحديث الذي لا يملك رفاهية الخيار بدوره للخروج مما هو فيه فإما صحوة لاستعادة البوصلة المفقودة وإلغاء الهمجية والقبلية والفتن وإما اقتتال إلى ما لا نهاية.. تماما كما أن الأربعاء 5 ديسمبر سيظل تاريخ نكبة النكبات التي تحايل فيها ترامب على أصدقائه العرب المغفلين وخدعهم بحديثه عن صفقة القرن التي منحت إسرائيل كل شيء ظلما وغطرسة حتى اذا ما تحقق له ذلك عاد لإرضائهم بحديث عن سلام وشيك لا يقبله عقل...