مثلما شكل «الثقافي» خيارا سياسيا في تونس في السنوات الأخيرة وظل الشعار الذي يردد في مختلف المناسبات والأوساط كخيار أمثل وآلية أساسية للإصلاح وإعادة بناء تونس الجديدة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وذلك من خلال المراهنة على هذا المجال والتعاطي معه كأداة بديلة وناجعة في سياسة الدولة لمحاربة الإرهاب تمثل في «ضخ» ميزانية خاصة ببرامج ثقافية موجهة لأبناء الجهات المحرومة في مختلف المناطق بتونس في إطار البرنامج الوطني لمكافحة الإرهاب، فإن نفس المنحى اختارته وزارة السياحة وغيرها من الهياكل والمؤسسات الوطنية الأخرى في السنوات الأخيرة في محاولاتها لإعادة موضعتها في المشهد «الاقتصادي» على مستويين وطني ودولي وذلك من أجل تنشيط حركيتها. ويكفي الاستشهاد في ذلك بما تعرفه عديد المهرجانات والتظاهرات الثقافية أو الرياضية المنتشرة في ربوع تونس من دعم من وزارة السياحة التونسية بشكل خاص بقطع النظر عن دعم وزارة الشؤون الثقافية وغيرها من الجهات المعنية الأخرى لاسيما ما يتعلق بالمهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية المختلفة التي تتزامن في تنظيمها مع نهاية العام الجاري وأغلبها بالجنوب التونسي. مما يعني أن دعم مثل هذه المهرجانات والتظاهرات الهدف منه هو دعم السياحة الصحراوية بالأساس خاصة بعد الأزمة التي عرفها هذا القطاع وأثر سلبيا على المشهد العام في الجنوب التونسي وتحديدا في المناطق التي تعرف حركية وأنشطة ثقافية مختلفة وكبيرة وتشهد إقبالا جماهيريا كبيرا من داخل تونس وخارجها. فكان مبرر هبة وزارة السياحة التونسية من خلال حضور الديوان الوطني للسياحة في أغلب التظاهرات والمهرجانات في هذه الربوع هو الترويج والتشجيع على السياحة الصحراوية التي عادة ما تنشط في مثل هذه المرحلة من كل سنة، على غرار مهرجان الصحراء الدولي بدوز في دورته الخمسين نهاية الشهر الجاري والمهرجان الدولي للواحات بتوزر في دورته التاسعة والثلاثين من 21 إلى 24 من ديسمبر الجاري وفي توقيت متقارب مهرجان بوهلال للسياحة والتراث بدقاش أو مهرجان عمر خلفت للمسرح بتطاوين أو المهرجان الدولي لإيقاعات العالم في دورته الرابعة بسوسة الذي ينتظم من 21 إلى 24 ديسمبر الجاري أو التظاهرة الرياضية «كأس الجريد للطائرات الخفيفة» التي تنظمها الجامعة التونسية للطائرات الخفيفة والأنشطة التابعة وسباق الهجن المهاري بدوز وغيرها من التظاهرات الأخرى المنتشرة في ربوع أخرى من الجمهورية التونسية. ولعل ما يميز هذا الحضور هو تكفل الديوان الوطني والمندوبيات الجهوية للسياحة بدعم أغلب هذه المهرجانات وذلك بعد أن أصبحت «صورة تونس» في الخارج هي الكلمة المفتاح للهيئات والجهات المنظمة لها مستفيدة في ذلك من «الاهتزاز» الذي عرفه قطاع السياحة في تونس في السنوات الأخيرة تحديدا لاسيما بالنسبة للسياحة الصحراوية التي كانت ضحية حروب الإرهاب والتهريب على الحدود التونسية الليبية بصفة خاصة. ولعل ما دفع الجميع للاستجابة ودعم كل مبادرة ثقافية في الإطار هو محاولات «إنعاش» الحركية الاقتصادية خاصة ما تعلق منها بالسياحة. رغم أن أغلب النزل والفضاءات السياحية والثقافية في الجنوب التونسي تحديدا مغلقة أو يمر أصحابها بصعوبات. النمطية وغياب التجديد لكن في المقابل تحافظ أغلب هذه التظاهرات والمهرجانات على «نمطيتها» ولم تدفع الأطراف المعنية من وزارة الثقافة والشركاء في التنظيم نحو تغييرها وإعادة هيكلتها على نحو تكون مواكبة وعاكسة للراهن على مختلف الأصعدة، باعتبار أن السياحة التونسية لا تقتصر على بعض المشاهد والصور التي ظلت تعتمد «كمادة أو بضاعة نمطية» في الترويج للثقافة التونسية وتهدف لترغيب ا»لآخر» في الإقبال عليها. لتغيب بذلك البرامج الهادفة والمدروسة عن مثل هذه الفعاليات الثقافية وتكتفي ببرامجها المناسباتية التي عادة ما تكون «سطحية» ومحدودة في تفاصيلها وأبعادها وأهدافها ومغزاها وتنبني على ما هو فرجوي وبهرجة لا غير، في حين يفترض ان يتجه الجميع للاستفادة من مكتسبات المرحلة والتطورات الحاصلة في المستوى التكنولوجيا والمنظوماتي والمعلوماتي والهيكلي كذلك.