تم أمس إحياء ذكرى 17 ديسمبر أو الذكرى السابعة لاندلاع الثورة.. ولكنها كانت احتفالات باردة برودة الطقس والمناخ العام بالبلاد، فلا يكفي أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي من سيء إلى أسوإ ظلت المناطق المحرومة منذ عقود والتي اندلعت منها الشرارة الأولى للثورة تراوح نفس الوضع المزري، إن لم نقل قد تعمق بزيادة عدد العاطلين على العمل وغياب التنمية وفرص الاستثمار.. وإذ تحسن مناخ الحريات بعد سبع سنوات من اندلاع الثورة فان المؤشرات السلبية اقتصاديا واجتماعيا لم تتغير بل ازدادت سوءا، وأصبح شعار «شغل.. حرية كرامة وطنية» الذي قامت عليه الثورة لا معنى له إن لم نقل فاقدا لمحتواه، فطالما ارتفعت نسب الفقر وتدهورت المقدرة الشرائية للمواطن يفقد هذا الشعار جدواه لان الحرية والكرامة الوطنية يتحققان بالتشغيل لكن البطالة تفاقمت والافق اصبح محدودا، وحتى الحلول الترقيعية لم تجد نفعا بل زادت الوضع تأزما وزجت بالدولة ككل في ضغوطات من الصعب مواجهتها أو اصلاح الوضع في ظل تشتت الجهود وغياب الرؤية التنموية الواضحة.. ومما لا يرقى إليه أدنى شك، فإنه لم يستفد من ثورة الشباب الذي قدم شهداء.. ومن انفجار الوضع في المناطق المحرومة والمهمشة حتى أطاحت بنظام كامل سوى السياسيون عامة، وبعض الأحزاب خاصة. في المقابل لا شيء تحقق لهذه الجهات التي فكت أسر الأحزاب وفتحت أمامها أبواب الفعل وتجسيد أفكارها على أرض الواقع بعد أن كانت قبل 14 جانفي تعاني دكتاتورية الحزب الواحد لكن الحكومات المتعاقبة بمختلف أطيافها وتياراتها لم تقدم شيئا لهذه المناطق ولا أيضا للشباب، وصولا الى حكومة الوحدة الوطنية التي لا يفكر أحد أنها وجدت وضعا صعبا.. ولكنها في النهاية مطالبة بإصلاح الوضع باعتبارها حكومة مختلف الأطراف وليست (على الأقل على الورق) تابعة لحزب معين.. الحكومة التي تتحدث اليوم عن إصلاحات موجعة وتعمل على المس من عديد القطاعات والمجالات من أجل تحسين صورة البلاد لدى المانحين الدوليين ومطالبة أيضا بالالتفات الى هذه المناطق بحلول جذرية وقابلة للتجسيد على أرض الواقع حيث كفى وعودا.. لقد شبعت هذه المناطق حد التخمة بالوعود والشعارات التي اغدقت بها عليها الأحزاب في حملاتها الانتخابية وكذلك الحكومات المتعاقبة فقد حلت ساعة الحقيقة والانجاز ولم يعد هناك مهرب لأي طرف، فمن يثور على وضعه البائس لا يمكن أن يتحمل المزيد وأن يزداد وضعه بؤسا بل يحتاج لبصيص أمل فحتى «الثورة أكلها الحمار» وليس الدستور فقط (على حد تعبير الأستاذ قيس سعيد)، وثورة الشباب ركبها الساسة والموالون ولم يبق لهم منها الا العاهات (ضحايا احداث الرش).. والبطالة والفقر المدقع في عديد الجهات.. والإرهاب وموجات البرد والفيضانات والعطش وغلاء المعيشة وكل ما يمكن تسميته بأمراض الثورة..