كما كان متوقعا صدر الفيتو الامريكي لإجهاض المشروع العربي الرافض لقرار الرئيس ترامب بشأن القدسالمحتلة، ولا شك انه حتى أكثر الخبراء تفاؤلا توقعوا مثل هذا الموقف الامريكي المجحف الذي يضاف الى عشرات القرارات السابقة باللجوء الى حق النقض في رحاب مجلس الامن الدولي والتي تستهدف القضية الفلسطينية بالدرجة الاولى.. طبعا صفق رئيس الحكومة الاسرائيلي للأمر وأطنب في شكر ولاء الحليف الامريكي اللامحدود للجلاد على حساب الضحية بكل ما يعنيه هذا الموقف من تنكر واستهانة بالقيم والمواثيق التي قامت عليها العدالة الدولية وهي المواثيق ذاتها التي يتبجح العملاق الامريكي بالدفاع عنها. مرة أخرى يقف العالم أمام عدالة دولية عرجاء تنتصر للمحتل وتهزأ بحق الشعوب في الحرية وتقرير المصير، ولا نخالها ستكون المرة الاخيرة.. ولكن الحقيقة أنه يصعب الى درجة الاستحالة فهم كيف يمكن ان يخدم قرار الرئيس الأمريكي مسار ومستقبل عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، ولا كيف يمكن للتنازل الأمريكي عن القدس أن يعيد الحق لأصحابه أو يمنح الفلسطينيين فرصة لإقامة مشروع الدولة الفلسطينية.. ربما يعتقد الرئيس ترامب انه يستطيع الضحك على الجميع بنشر مثل هذه الاوهام التي بدأت تتضح تداعياتها الخطيرة والتي يمكن أن تبلغ نقطة اللاعودة عندما تستيقظ في الشعب الفلسطيني تلك الهبة الشعبية التي قد تهدأ وتتراجع لبعض الوقت ولكنها لا يمكن ان تغيب كل الوقت.. إدارة ترامب أجهضت مشروع القرار الذي تقدمت به مصر رغم أنه اتسم بالليونة الى ابعد الحدود حيث تجنبت الدول العربية الاشارة الى واشنطن، وهو ما يدعو مجددا أصحاب القضية الى العودة الى نقطة البداية واللجوء الى الجمعية العامة حتى وإن كانت قراراتها غير ملزمة. ولا شك أن هذه الخطوة ستحتاج الى حملة ديبلوماسية وتحركات واسعة للفوز بدعم أكبر عدد ممكن من الاصوات بما في ذلك اصوات الحلفاء التقليديين الذين تراجعوا في الفترة الماضية في دعمهم للقضية الفلسطينية ومن ذلك الدول الافريقية وأيضا الهند... معركة القدس ومعركة القضية الفلسطينية لن تتوقف عند عتبات مجلس الامن المحكوم بعقلية وقوانين القوى الكبرى التي فرضتها بعد الحرب العالمية الثانية... ولا شك ان الموقف الامريكي يعني ان الادارة الامريكية لا يمكن ان تستمر في دور الراعي للعملية السلمية ان كان لها وجود، ولكن في نفس الوقت أنها لا تملك مصادرة حق الفلسطينيين في البحث عن البدائل والخيارات التي يمكن ان تعيد القضية الى موقعها في المحافل الاقليمية والدولية... 42 مرة لجأت الادارات الامريكية المتعاقبة الى استعمال حق الفيتو ضد الحق الفلسطيني وكانت في كل مرة تمنح المحتل الضوء الاخضر لمضاعفة الجرائم الاستيطانية ومشاريع التهويد والاسر والاغتيالات وممارسة ارهاب الدولة بغطاء امريكي معلن... والاكيد أنه إلى جانب الخيارات السياسية القائمة ومنها السلاح الديبلوماسي والسياسي في المطالبة باعتراف دولي حاسم وواضح بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس واللجوء الى القضاء الدولي لملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين على مختلف الجرائم التي اقترفوها، فإن الخيار الذي لا يمكن اسقاطه والذي يبقى من حق الفلسطينيين دون غيرهم هو حق المقاومة في كل صورها بما في ذلك المقاومة الشعبية والمقاومة المسلحة التي تقرها مختلف القوانين الدولية... هذا الحق الذي يملك الشعب الفلسطيني وحده تحديد متى وكيف يلجأ اليه لتحقيق اهدافه المصادرة في الحرية.. وهو خيار يحتاج الى خارطة طريق واضحة ورؤية مستقبلية وقيادة وطنية صادقة لا ترتهن لأي جهة او طرف دولي او اقليمي أو عربي، قيادة تكون بوصلتها وقيادتها فلسطين ويكون نبضها وحصنها ومرجعيتها الشعب الفلسطيني والشرعية النضالية من اجل الحرية...