حوار: فاطمة بن عبد الله الكراي نيويوركتونس الشروق: عندما يطلب ناصر القدوة المسؤول الأول عن الممثلية الفلسطينية لدى الاممالمتحدة، من العرب ان يغيروا استراتيجية التعامل مع الولاياتالمتحدةالامريكية وان يكفّوا عن اعتبار واشنطن شريكا للسلام، فانه يقول ذلك عن تجربة وعن احتكاك بالواقع الاممي الذي لم تكفّ في أروقته وفي مطباته، تلك المحاولات لاستمالة هذا الى جانب اسرائيل او التأثير على ذلك «ليطلق» القضية الفلسطينية او حتى تهديد اولئك حتى يكفوا عن الحديث عن المبدإ ويلتفتوا ويعوا من المتحكم اليوم في قوتهم وأقوات شعوبهم زمن العولمة و»الحكومة» العالمية للتجارة... ناصر القدوة، هذا الرجل الذي يطالعنا الآن اكثر من أي وقت مضى، يدافع عن قضية بلاده وعن حق أهله في أرضهم، عبر شاشات التلفزيون... ناصر القدوة، أضحينا نراه كثيرا ونتعايش مع خطاباته اكثر، ليس لان القضية الفلسطينية تحقق في الاممالمتحدة تقدما، وليس لأن موقف الدولة العظمى المتفردة في العالم غيرت موقفها واصبحت ترى الحقائق كما هي، بل لان المنتظم الاممي ذاته، اصبح يعاني من انحسار في الموقف وخاصة في مستوى مجلس الامن الدولي... ناصر القدوة يقف ونظراؤه العرب على خط النار... وهو يتضوّع بين مختلف المواقف... فهو يعرف ان هذه الدولة «الكبرى» تساند الحق الفلسطيني لان الفعل الاستعماري الاسرائيلي فج واجرامي... وتلك الدولة يسرّ له سفيرها أنها تسند الحق الفلسطيني لان قراراته واضحة وضوح الشمس، لكن عند اتخاذ المواقف تلعب واشنطن «المقابلة» بدلا عن اسرائيل، فتأخذ الولايات المتحد الامريكية على عاتقها من أفعال اسرائيل، ما لا تستطيع ان تقوم به دولة تعترف بالقانون وبالشرعية... الاسئلة التي وجهتها الى السيد ناصر القدوة لم تكن حول: لماذا هذا الموقف الامريكي الذي يصلب الحق بفكرة اسرائيلية وأيد أمريكية على طريقة احداث شريط «ميل غيبسون» «آلام المسيح» الذي يصور كيف اتخذ اليهود القرار وقوة العصر هي التي صلبت المسيح، اذن لم تكن أسئلتي حول هذا الموضوع النوعي والذي يتطلب ملفا بأسره، لكن سألت الرجل عن المعاناة... نعم، في نيويورك يعاني المسؤول الفلسطيني من الغبن ومن غياب الانصاف ومن الصلف في بعض الاحيان... بل ان البعثة الفلسطينية في الاممالمتحدة هي اكثر من يعاني من ازدواجية المعايير واختلاف المكاييل... يعاني منها، لانها عائق يقف حتى أمام تثبيت الحق الفلسطيني في ملفات الاممالمتحدة... نعم اليوم، الحق الفلسطيني الذي كنّا نقول انه لا يرتقي الى مستوى الحق الحقيقي، ذاك الذي تكفله القرارات الاممية، أضحى الآن على كف عفريت... وناصر القدوة يعرف من «العفريت» وما هي سعة الكفّ... على خط النار يقبع الرجل، وهو قانط حد «القرف» من حق ظنه انه سيأتي ولن يأتي... ناصر القدوة يعيش مناضلا في نيويورك، يتحرك ولا يدع بابا الا وطرقه، مع أشقائه العرب والمنتمين للعالم الثالث وأولئك الذين اكتووا بنار الاحتلال والعنصرية، لكن رغم هذا كله «فالفيتو» الامريكي الحامي لاسرائيل «ظالمة وظالمة» وقنابل وصواريخ الغدر التي تنفثها الآلة الاستعمارية الاسرائيلية في الصباح وفي المساء وحتى الفجر على ابناء فلسطين، كلها تنصهر مع بعضها البعض لتكشف ان التحالف الاستراتيجي الامريكي الاسرائيلي لن ينقطع وانه متواصل، حتى وان اعطى العرب امريكا كل ما يملكون... فالعرب جميعا لا يرتقون في نظر السياسة الامريكية الى «عشر» ما تتمتع به دولة اسرائيل... «أب» لطفلة جميلة اسمها «أماني» وابن اتخذ له من الاسماء «جرير» هو ناصر القدوة الذي عرفناه بيننا في تونس مع بقية ابناء الثورة الفلسطينية، له خطة مراقب دائم منذ 1991 بنيويورك وقبلها كان نائبا للسفير «زهدي لبيب الطرزي»، مرهف الحس كما الشاعر «جرير» وفؤاده مليء بالاماني كما يعبّر عن ذلك اسم ابنته... طبيب أسنان درس بالقاهرة، وزاول تعليمه الثانوي بليبيا وأقام بيننا في تونس أربع سنوات، هو السفير ناصر القدوة، الذي اختزل في شخصيته جدية الطبيب المداوي، ومعاناة أهله في فلسطين، فكانت كلماته في بعض الأحيان متأثرة ومؤثرة... حدّ الدّمع أحيانا... سألته عن الصور التي تخامره وهو يعتلي منبرا في الجمعية العامة يخاطب العالم، فأكد لي أنه يرى الطفل الفلسطيني الذي لا ترحمه الدبابة، والمرأة الفلسطينية الثكلى التي تزيدها معاناة تلك البنادق التي تسلط عليها من أربعة جنود وهي وحيدة... قلت لضيف حديث الأحد، وقد خص «الشروق» مشكورا بهذا اللقاء: * لا شك أنكم هنا كفلسطينيين وعرب، تقفون على خط النار... بل على محك المعاناة، فما هي أهم التحديات التي يواجهها مسؤول ديبلوماسي فلسطيني، في رحاب الاممالمتحدة، خاصة في هذا الظرف الدولي بالذات؟ في الاممالمتحدة، المهمة واضحة: الحفاظ على الموقف القانوني والسياسي للامم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية وجوانبها وتفرّعاتها المختلفة باعتبار ذلك ضمانة للشعب الفلسطيني وباعتبار ذلك هو خط الدفاع الأخير عن حقوق الشعب الفلسطيني. الى جانب ذلك وكلما أمكن لنا ذلك، ننتقل الى الهجوم في محاولة لوضع مزيد من الضغط على الجانب الاسرائيلي وربما حتى الجانب الامريكي، هذه هي المهمة، اما بخصوص التحديات التي تواجهنا فاني أصنفها كالآتي. أوّلها بالطبع، هو المحافظة على موقف اغلبية الدول الى جانبنا، والتغلب على الموقف الامريكي الذي دائما يحاول حماية اسرائيل واعفائها من استحقاقات القانون الدولي، وكذلك حسم التردد الاوروبي الى جانبنا... ثانيها، هو التعامل مع واقع مختلّ في الاممالمتحدة نتيجة تركيبتها ونتيجة الانحياز مثل وجود «الفيتو» في مجلس الامن والنفوذ المتزايد للولايات المتحدةالامريكية. أما ثالث هذه التحديات فهو النجاح في التعامل مع الامانة العامة ذاتها، والتي نجدها الآن أكثر من أي وقت مضى معرضة للضغوط الامريكية دون أي قدرة حقيقية على مقاومة هذه الضغوط. * طيب، ما الذي تغيّر اذن في مستوى «الفيتو» أو في مستوى تعاطي الاممالمتحدة مع القضية الفلسطينية، منذ اعتلى الرئيس عرفات منصة الاممالمتحدة في 1974 الى اليوم سنة 2004، اي بعد ثلاثين سنة ما الذي غاب، ما الذي تدعّم؟ منذ الحضور الفلسطينيبالاممالمتحدة والذي كرّسه كما اشرت الزعيم والرئيس عرفات، عندما اعتلى منصة الجمعية العامة في 1974 لم تتوقف الولاياتالمتحدةالامريكية عن محاولة تعطيل الآليات المتاحة وفقا للميثاق من خلال استخدام الفيتو، وفي حقيقة الامر نجد او نسجل ان الولاياتالمتحدة استخدمت الفيتو 27 مرة (إضافة الى الفيتو الأخير والذي سجل بعد هذا اللقاء) فقط حول قرارات تتعامل مع الوضع في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة. بالرغم من ذلك استطاع الجانب الفلسطيني وايضا الجانب العربي بطبيعة الحال، انتزاع 37 قرارا من مجلس الامن حول هذا الوضع بما في ذلك حول طبيعة الاراضي باعتبارها محتلة وحول انطباق اتفاقية جنيف على الوضع هناك، وحول القدسالشرقية والمستعمرات والابعاد والممارسات الاسرائيلية غير الشرعية الاخرى. المشكلة بقيت ان الموقف الامريكي منع فرض تنفيذ هذه القرارات ووفّر حماية أوتوماتيكية دائمة للجانب الاسرائيلي، والمحصلة عمليا كانت ان المجلس فشل تاريخيا في تنفيذ واجباته المنصوص عليها في الميثاق حول الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين عندما تعلق الامر بقضية فلسطين. * نعلم جميعا ان معركة الجدار العنصري لم تكن هينة هنا في الاممالمتحدة، كيف كانت هذه المعركة وكيف تم نقل الملف الى محكمة العدل الدولية طلبا للاستشارة؟ كانت بلا شك معركة شرسة للغاية، اسرائيل وضعت كل ما لديها من امكانيات لمنع احالة موضوع الجدار الى المحكمة ثم للضغط على المحكمة مباشرة، حتى الآن فشلت فشلا ذريعا ونأمل ان نحقق النتائج المطلوبة من خلال رأي استشاري يستند الى القانون الدولي. المعركة بدأت في مجلس الامن بطبيعة الحال حيث منعت الولاياتالمتحدة المجلس في اعتماد قرار من خلال استخدام «الفيتو» على ضوء ذلك ذهبنا الى الدورة الاستثنائية العاشرة وفي الجولة الأولى وصلنا الى تفاهم مع الاتحاد الأوروبي تقدمت بمقتضاه دول الاتحاد بقرار تم اعتماده ب144 صوتا، القرار أكد ان بناء الجدار هو انتهاك للقانون الدولي وطلب من قوة الاحتلال التوقف وازالة الأجزاء القائمة وطلب من الامين العام ان يقدم تقريرا حول تنفيذ القرار خلال شهر. الأمين العام قدم بالفعل تقريرا شرح فيه تفاصيل الجدار واستنتج أن اسرائيل لم تلتزم بأحكام قرار الجمعية العامة. على ضوء تقرير الامين العام عدنا الى الدورة الاستثنائية العاشرة للجمعية العامة وقدمنا مشروع قرار يطلب من محكمة العدل الدولية ان تعطي رأيا استشاريا بشكل عاجل حول الآثار القانونية المترتبة على بناء الجدار في الارض الفلسطينيةالمحتلة بما في ذلك في القدسالشرقية وحولها. وبالرغم من الضغوط الهائلة تم اعتماد القرار ب90 صوتا ومعارضة 8 فقط، انتقلنا بعدها الى المرحلة الثانية وهي تعامل الدول مع المحكمة مباشرة أشير بداية أن المحكمة دعت فلسطين للمساهمة في اعمالها بشكل مستقل و هذا بحدّ ذاته كان مكسبا هاما، وبدأ بعدها الصراع خصوصا في ما يتعلق بالموقف الاوروبي. اختار بعض الاوروبيين ان يأخذوا موقفا سلبيا يطلب من المحكمة عدم اعطاء الرأي الاستشاري وفي مقدمة هؤلاء بريطانيا وألمانيا. لكن اختار بعضهم الاخر الذهاب بالاتجاه المعاكس وتشجيع المحكمة وهؤلاء اثنان هم ايرالندا والسويد. واختار فريق ثالث في مقدمته فرنسا ان يترك للمحكمة الشأن الاجرائي ولكن مع أخذ موقف واضح قانونيا ضد الجدار. * ما الذي فعلته الامانة العامة في موضوع الجدار؟ الأمين العام قام بما يلي: أولا وفقا لواجباته قدم ملف القضية والذي يشمل كافة الوثائق ذات القلة، وهنا يجب ان نشير أن الأمين العام رفض ضغوطات اسرائيلية غير ذات صلة خاصة في موضوع الارهاب. الأمين العام ايضا قدم بيانا مكتوبا الى المحكمة عبارة عن تقريره الذي قدمه للجمعية العامة مضاف اليه تحديث معلوماتي لهذا التقرير، وبلا شك ان هذا التقرير كان مفيدا ودقيقا. بلا شك اذن ان الامين العام قام بواجبه بالشكل المطلوب ولكننا نعتقد انه كان ايضا بالامكان للامانة العامة المشاركة في المرافعات الشفوية وهو أمر لم يحدث. * عندما تعتلي منبرا في الاممالمتحدة، او في محكمة العدل الدولية، وانت تلقي كلمة في الحضور ماذا ترى عندما تتذكر فلسطين... هل ترى تلك المرأة الثكلى التي تصارع جيش الاحتلال ام ترى الطفل الذي لم ير الحرية جدّه ووالده وهو أم ترى تلك الاشجار تقتلع من الارض بعد ان استعصى عن الصهاينة اقتلاع شعب فلسطين من أرضه؟ إنها علاقة مباشرة هذا بالضبط بيت القصيد، لان طاقة مواجهة قوة كبيرة بما في ذلك الولاياتالمتحدة تأتي أساسا من خلال الانغماس الكامل في نضال الشعب الفلسطيني ومواقف ومشاعر هذا الشعب في الخطة المعينة والا لما كان ممكنا أصلا ان يكون هناك صمود سياسي، أرى كل تلك الصور التي ذكرت، وهذا يحصل معي في كل كلماتي العلنية، فلا انفصال بين النضال بالداخل والنضال هنا...