أعلن المخرج رضا الباهي بحماسة شديدة عن قبول الممثل السوري المعروف عابد الفهد رسميا المشاركة في فيلمه الجديد «جزيرة العفو» وتقمص شخصية «غيتانو». وعبر عن ابتهاجه بذلك في صفحته على «الفايسبوك» بنفس درجة الحماسة التي كان أعلن بها عن انضمام درة زروق إلى فريق هذا الفيلم. مع العلم أن أحداث الفيلم تدور في أواسط القرن الماضي حول التعايش بين الأديان والقوميات بسلام في جزيرة الأحلام كما أن النجمة درة زروق تتقمص شخصية «روزا» وهي فتاة «جربية «من أصل إيطالي. والحقيقة، إن خبر التحاق النجم السوري بفريق الفيلم وإن أسعد المخرج فإننا نعتقد أن جمهور عابد الفهد في تونس وهم كثر لن يكونوا أقل سعادة من رضا الباهي بهذه المشاركة نظرا لقيمة هذا الفنان وحرفيته ومقدرته على أداء مختلف الشخصيات بإتقان شديد. ولعلنا نشير إلى أننا لا نحتاج لتقديم عابد الفهد للجمهور التونسي المتابع لمسلسلاته التي تبثها أغلب القنوات العربية لكن لا بد من الوقوف ولو بصفة موجزة عند أبرز المحطات في مسيرة الممثل السوري الذي قادته الأحداث الدامية في سوريا إلى مغادرتها إلى حين تعود الأمور إلى طبيعتها هناك. وقبل العودة إلى البدايات، نشير إلى أن عدة قنوات عربية أعادت مؤخرا بث مسلسل «لو» وهو وإن لم يكن من أحدث أعمال عابد الفهد (2014) فإنه من بين أفضل الأعمال التي تعطي صورة واضحة عن مقدرة الممثل. وقد جسد فهد عابد شخصية زوج عاش تجربة الخيانة الزوجية (زوجته نادين نجيم) وقد تقمص الدور بشكل رهيب حيث راوح بين الشك واليقين إلى الوصول إلى مرحلة الانتقام. وقد نجح عابد فهم في التلبس بالشخصية حتى أن الجمهور ليكاد يستمع إلى خلجات روحه المعذبة وينصت إلى صوت النحيب المكتوم داخله. فقد تقمص الدور بحرفية عالية تماما مثلما يحدث دائما مع عابد الفهد، هذا الممثل القدير الذي بنا مسيرته بجهد واضح وبمثابرة وبحرص دائم على أن يقدم ما أفضل ما عنده... وسبق لعابد فهد أن صور في تونس في الصائفة الفارطة (بالحمامات) مشاهد من مسلسل «أوركيديا « لحاتم علي إلى جانب النجم جمال سليمان وكان المسلسل الضخم قد بث على بعض القنوات العربية في رمضان الفارط. ونتوقع بطبيعة الحال أن يعود قريبا إلى تونس لتصوير مشاهده في الفيلم الجديد لرضا الباهي الذي اهتم بدوره في الفيلم السابق «زهرة حلب» (بطولة هند صبري) بالمأساة السورية والعربية، مأساة شعوب مسالمة وجدت نفسها ضحية الإرهاب، مما يؤهلنا للقول إن دعوة عابد فهد للمشاركة في فيلم تونسي لم تأت من لا شيء كما أن موافقته على المشاركة في هذا الفيلم لم تأت من لا شيء. فربما كان لهذه الحروب الدموية، على بشاعتها دور في إحياء العلاقات بين الشعوب العربية بعد أن لاح أن الينابيع قد جفت وخيم السبات في كل مكان... حينما تكتسح الدراما السورية الميدان وتهدد الدراما المصرية في موقعها العربي أمّا إذا ما عدنا إلى سؤال البدايات، فإنه يمكن القول واستنادا إلى سيرة الرجل إلى أنه لا شيء مثير في الحكاية. فنحن لسنا إزاء قصة خارقة أو أسطورة أو حكاية إنسان معذب وصل إلى النجاح بعد أن حفر الصخور بأظافره. بل على العكس، إن قصة عابد الفهد وهو سليل عائلة فنية (والده مطرب معروف جورج فهد) قصة واقعية عادية جدا وهو ما يضفي مصداقية على مسيرته. ولد الممثل في اللاذقية سنة 1964 وهو متزوج من الإعلامية المعروفة زينة اليازجي، انطلق في التمثيل في تسعينات القرن الماضي بعد انضمامه إلى نقابة الفنانين السوريين وأول عمل شارك فيه هو مسلسل كوميدي بعنوان «مرايا». ولنا أن نذكر بأن الدراما السورية بدأت تقريبا منذ التسعينات تفتك مكانتها في المشهد العربي وبدأت تنافس الدراما المصرية التي ظلت لعقود بلا منافسة تقريبا. وقد أحبت الجماهير العربية ومن بينها الجماهير التونسية، المسلسلات السورية سواء التاريخية أو مسلسلات الفانطازيا.. وبدأت بعض الوجوه السورية تكتسب نجومية عربية وتكتسح الميدان وتهدد النجوم المصرية في مواقعها العربية. وفي هذا السياق ظهر عابد فهد وجمال سليمان وسلوم حداد ورشيد عساف ومن قبلهم منى واصف التي عززت موقعها في قلوب الجماهير. ظهرت كذلك سلاف فواخرجي كنجمة متلألئة والعديد من النجمات الشابات اللواتي لفتن إليهن الأنظار من خلال أدوارهن في مسلسلات الفنطازيا بلباسهن الفريد وبيئتهن الصحرواية وحكايات الزمن الغابر، دون أن ننسى المخرجين الذين أصبحوا بدورهم نجوما ومشهورين ونذكر من بينهم حاتم علي وكذلك المخرج التونسي شوقي الماجري الذي استقبل بحفاوة وكرم في سوريا وقدم أعمالا جيدة جدا... المهم أن السياق العام كان يساعد على ظهور النجوم السورية وأن الطريق كانت معبدة كي تكتسح الدراما السورية المجال العربي وهي التي اقترحت حينها على الجماهير العربية صورة جديدة وحكايات جديدة وأحداث مختلفة تشذ عن قاعدة الحكايات المصرية التي أصبحت في وقت ما روتينية جدا. لكن كل ذلك لا يعني أن عابد فهد استفاد من المرحلة لا غير، بل على العكس، لقد ساهم في تحرير الممثل العربي من القوالب الجاهزة بذكاء كبير وبقدرة عالية على استيعاب متطلبات العصر. وبفضل وجود ممثلين مثل عابد فهد مثلا (مع وجود أسماء أخرى في تونس وفي مصر وفي مختلف الدول العربية) لم يعد الممثل الناجح هو فقط ذلك الرجل الوسيم وإنما أصبحت هناك متطلبات أخرى وأولها الذكاء والسمو ورفعة النفس والصدق والسخاء في الأداء.. وهي عوامل تمكن الممثل من التفوق حتى وإن كان في حضرة منافسين يتحلون بخصال فيزيولوجية أفضل. وفي انتظار تنفيذ المشروع، مشروع فيلم «جزيرة العفو»، خاصة وأن رضا الباهي تمكن من إثارة فضولنا بالأخبار التي يبثها من حين لآخر وبنوعية الممثلين وبالقصة التي ينوي تناولها، نقول إن مشاركة نجم في قيمة عابد فهد في هذا العمل تجعلنا نراهن على فيلم نوعي ومهم في مستوى أهمية الكوكبة من الممثلين التي تشارك فيه وفي مستوى قيمة الموضوع المطروح للنقاش...