كثيرة هي المؤشرات التي باتت تدفع الى الاعتقاد أن اطرافا اقليمية ودولية تدفع جديا الى حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وأن ما يسجل من حرب كلامية استفزازية من واشنطن وتل ابيب ومن حملات مسعورة لفرض سياسة الامر الواقع في الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب قراره بشأن مصير القدس، يؤكد هذا التوجه. ذلك أن القرار الامريكي الذي اعتبر بمثابة الضوء الأخضر لإسرائيل للمضي قدما في سياسة ارهاب الدولة وممارسة كل جرائم الاستيطان والتهويد والمصادرة والاعتقالات والقتل، من شأنه أن يكون بمثابة الطعم الذي ينتظر تحركا من جانب المقاومة الفلسطينية او اللبنانية لجرف المنطقة الى اتون حرب جديدة تضاعف ماسي المنطقة وتزيدها خرابا على خرابها.. وقد جاء مشروع القانون الذي اقره الكنيست الاسرائيلي هذا الاسبوع بإعدام كل فدائي فلسطيني يمكن أن يتورط في نشاط للمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي ليكشف هذا الاصرار على المضي قدما في اثارة واستفزاز اسرائيل للمقاومة الفلسطينية ودفعها للتورط في عمل انتقامي يدفع سلطة الاحتلال الى اجتياح اراضي الضفة والقطاع وإعادة احتلال المناطق الخاضعة نظريا للسلطة الفلسطينية، وربما اختراق الاجواء اللبنانية والاعتداء على لبنان بدعوى التصدي ل»حزب الله»... طبعا انه أسوا السيناريوهات التي يمكن توقعها في هذه المرحلة والتي من شأنها أن تفاقم النزيف وتعمم حالة الفوضى في كل المنطقة... ولا شك أن آخر ما تحتاجه منطقة الشرق الاوسط عموما والمنطقة العربية بشكل خاص حربا جديدة قد تتجاوز تداعياتها كل ما عاشت على وقعه حتى الان... نقول هذا الكلام وفي البال ما صرح به الامين العام ل»حزب الله» حسن نصرالله لبرنامج لعبة الامم على قناة الميادين قبل ساعات وما تحتمله من تأويلات واندفاع لمواجهة جديدة غير محسوبة بالنظر الى دور «حزب الله» في الحرب الدائرة في سوريا وموقعه ايضا من الحرب المعقدة في اليمن.. نصر الله وفي معرض تصريحاته قال «ان من يستطيع هزيمة «داعش «بإمكانه هزيمة اسرائيل»، والخوف كل الخوف أن يكون نصر الله مقتنعا بهذا الكلام، لأن هزيمة «داعش» ما كانت لتتحقق لولا ذاك التحالف الدولي الذي جاء بعد ان امتدت يد «داعش» لتعبث وتهدد كبرى العواصم الاوروبية وتجرف مئات الضحايا هنا وهناك... يبدو الامين العام ل»حزب الله»، الذي كشف ولأول مرة ما يتقاضاه من الحزب وتحدث عن عشقه لكرة القدم، قد أغفل أن «داعش» سليل «القاعدة» صنيعة عابرة للحدود اريد لها أن تكون عنصرا للخراب والدمار في المنطقة وليس خارج نطاق الحدود التي اريد لها ان تتحرك فيها وأن اعلانه الاستعداد للحرب ضد اسرائيل يعني مواجهة الالة العسكرية الامريكية حاضنة إسرائيل، ما يعني أنه على حسن نصر الله ان يجعل لحماسه حدودا وألا يمنح الفرصة لإسرائيل او غيرها لتدمير بقية من بيت فلسطيني يسعى لإعادة ترميم صفوفه، او يوجه للبنان الذي يكابد لتجاوز جروحه ليزيدها عمقا... من المستفيد؟ طبعا، لا أحد ينكر أنه يتمنى ولو سرا أن تتوفر للدول العربية او ل»حزب الله» المصنف اليوم على قائمة الحركات الإرهابية، وللمقاومة الامكانيات العسكرية والبشرية دفاعا عن بقية من كرامة مهدرة او حماية للمقدسات والاعراض المنتهكة... ولكن الحقيقة أنه عندما يقول نصرالله «أن المقاومة في لبنان باتت أقوى من أي زمن مضى، وأن واقعاً مقاوماً سيخرج من سوريا رغم جراحها المثخنة»، فإنه قد يكون بصدد تهيئة الارضية وتوفير الاسباب لعدوان جديد يستهدف لبنان ويعيد حرق الاخضر واليابس وتدمير ما أعيد اعماره، وهذا هدف ندرك جيدا أن الاحتلال الاسرائيلي لا ينتظر غير الفرصة لتنفيذه.. لم يجانب نصر الله الصواب في قراءته للواقع واعتباره ضرورة وضع نصب الاعين احتمال الحرب بعد قرارات ترامب وناتنياهو، وهي حقيقة ما انفكت تتضح مع تواتر محاولات الاستفزاز لدفع المقاومة الى التحرك أولا وبالتالي توفير كل التبريرات التي تريدها اسرائيل لتكون غطاء لعدوانها القادم.. حسابات للمراجعة اعتبار نصر الله أن محور المقاومة المؤلف من إيران وفلسطين وسورياولبنان يضم أيضاً اليمن، ينم عن اندفاع غير محسوب مآله الفوضى والدمار ولا شيء غير ذلك.. فإيران اليوم مطالبة بمعالجة ازمتها الداخلية بعد اندلاع دوامة الاحتجاجات نتيجة الاحتقان الشعبي وتفاقم مشاعر الغبن والظلم والفساد والاستبداد، والارجح أن النظام الايراني سيتجه الى تطويق ومعالجة ما يشهده الداخل الايراني بدل الانسياق الى تصدير أزمته الداخلية الى خارج الحدود. ثم ان ايران اليوم لديها التزامات على اكثر من جبهة والسلطات الايرانية تدرك جيدا أن الادارة الامريكية ومعها اليمين الاسرائيلي مصران على كسر شوكتها ونقل عدوى الفوضى الى داخل المجتمع الايراني.. أما عن سوريا فالمشهد لا يحتاج مزيد التوضيح، وسوريا اليوم لا تحتاج حربا جديدة بل تحتاج الى هدنة لإعادة اعمار وبناء ما تهدم وانقاذ ملايين السوريين من التشرد والضياع، ثم ان سوريا لا تزال تواجه مخاطر الشبكات الارهابية والجماعات المسلحة والحديث عن طي صفحة تنظيم «داعش» نهائيا لا يزال مبكرا في بلد خاضع للوجود الامريكي والروسي والاسرائيلي والتركي في نفس الوقت، وهي حقيقة مؤلمة ولكنها قائمة، لان سوريا اليوم ليست في وضع البلد الذي يمتلك سلطة القرار. والحال ذاته ينطبق على اليمن المهدد من كل جانب والواقع بين سندان القصف الجوي للتحالف وصراعات الحوثيين وبين خطر المجاعة والكوليرا.. بقي لبنان ولا نخال اللبنانيين يحتاجون للدخول في حرب جديدة وهم الذين تحملوا تداعيات كل الحروب في المنطقة ودفعوا ثمن جرائم الاحتلال الاسرائيلي والاجتياح الذي امتد الى العاصمة اللبنانية... نعم لقد اسقطت المقاومة مقولة «الجيش الذي لا يُهزم» كما جاء على لسان نصر الله، ولكن ما تحقق للمقاومة في جنوبلبنان بعد ان وجهت صفعة غير مسبوقة لجنود الاحتلال الذين انسحبوا يجرون أذيال الخيبة، كان نتيجة عمل المقاومة اللبنانية في صمت بعيدا عن صراعات السياسيين ومناوراتهم وأطماعهم وقبل أن يصاب «حزب الله» بعدوى عقلية الغنيمة وهاجس السلطة... اخيرا وليس آخرا، فقد يكون فيما كشفه نصر الله بشأن محاولات الادارات الامريكية المتعاقبة التواصل مع «حزب الله» والعروض لشطبه من قائمة الارهاب مقابل عدم تقديم أي مساعدات للفلسطينيين، ما يؤكد أن واشنطن وتل ابيب تحسب للمقاومة حسابها، وطالما ان الادارة الامريكية لم تُكذّب ولم تنف ما كشفه نصر الله، فإن في ذلك ما يفرض على «حزب الله» وعلى المقاومة أن تكون الاكثر حرصا على تفويت الفرصة امام أي طرف للمس من دور المقاومة ومكانتها وأن تسحب البساط أمام كل المحاولات المعلنة والخفية للقضاء عليها باعتبارها العنوان الأخير المتبقي لاستعادة بعض من توازن مفقود في المنطقة... من الواضح ان هناك أطرافا تريد جر المنطقة الى حرب جديدة يراها انصار هذا التوجه فرصة للقضاء على نصر الله وجماعته وعلى كل نفس للمقاومة، وهو ما يعني انه على «حزب الله» عدم الوقوع في الاستفزاز واحتساب كل خطوة يخطوها قبل الانسياق الى الخيارات العاطفية، والتي نرى نتائجها الكارثية على شعوب المنطقة التي كان لها وطن تعيش فيه وباتت تحلم بوطن تعود اليه..