لا تزال الاسباب الحقيقية وراء تعيين وزير التربية الأسبق الصادق القربي وأسباب ابعاده من على رأس الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري تبحث عن أجوبة مقنعة بعد رفض رئيس الحكومة الإمضاء على قرار التعيين المعلن عنه منذ يوم الجمعة الماضي. وقد أثار قرار التعيين حملة «فايسبوكية» واسعة ضد الحكومة منذ اعلان خبر التحاق القربي بالديوان ولَم يتوقف الامر عند هذا الحد بل تجاوزه بالدعوة الى التراجع، لتشتعل المواقع الإخبارية وصفحات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بنقد اختيار القربي لتتراجع الحكومة عن موقفها بعد نحو 72 ساعة من بلاغ التعيين. وكانت نائبة رئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية بمجلس نواب الشعب عن حركة النهضة جميلة دبش حرم كسيكسي، رجحت أن يتراجع رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن تعيين الصادق القربي مديرا عاما للديوان الوطني للأسرة والعمران البشري وكشفت «أن نوابا من كافة الكتل الحزبية اتصلوا برئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزير الصحة عماد الحمامي من اجل التراجع عن تعيين القربي». واضافت النائبة انه قد تتم دعوة وزير الصحة عماد الحمامي للجنة الصحة والشؤون الاجتماعية «لمساءلته حول هذا التعيين» الذي اثار جدلا سياسيا واسعا داخل الأوساط الحزبية خاصة بحركة نداء تونس التي تبرأت من تعيين القربي ودعا الحزب على لسان ناطقه الرسمي المنجي الحرباوي رئيس الحكومة للتراجع عن هذه الخطوة كما لفت إلى أن «القربي لا ينتمي إلى حزب نداء تونس، ولم يقترح الحزب تعيينه لا من قريب ولا من بعيد». وإذا افترضنا جدلا صحة ما قاله الحرباوي وإذا ما اخذنا بعين الاعتبار تصريح نائبة رئيس لجنة الصحة بالبرلمان المتعلق أساسا برفض ممثلي الاحزاب لهذه الخطوة فان السؤال الأهم من كان وراء تعيين الصادق القربي؟ ولماذا تراجع رئيس الحكومة عن موقف التعيين ان كان هو أصلا من اتخذه؟ الا يتعارض التراجع الحاصل مع مضامين قانون المصالحة الإدارية؟ وفِي هذا السياق كشف الناشط السياسي والباحث القانوني شكري بن عيسى في تدوينة له ان وزير الصحة عماد الحمامي لم يكن على علم بمسألة تعيين القربي خاصة وأن رئيس الحكومة لم يعتمد على مجموعة الأسماء التي اقترحها وزير الصحة لسد الشغور الحاصل على راس الديوان، بالإضافة الى ذلك فان دستورية التعيين في الوظائف المدنية العليا تعود الى رئيس الحكومة وفقا لمقتضيات الفصل 92 من الدستور التونسي على ان يتم امضاء الامر بعد مداولات مجلس الوزراء وذلك ما يقتضيه الفصل 94 . وفِي تصريحه ل "الصباح "اعتبر شكري بن عيسى «أن تعيين الصادق القربي كان انعكاسا لبصمات رئاسة الجمهورية وهيمنتها على السلطة التنفيذية بالقصبة وهو ما خضع له الشاهد الذي اخضع بدوره وزير الصحة لكن الهبة الشعبية وفِي ظل الهشاشة الاجتماعية بعد التحركات الاخيرة جعلت الحكومة تتراجع عن موقفها». واضاف بن عيسى «أن القانون المذكور في فصله الثالث يقضي بأن رئيس الحكومة يعين في الوظائف المدنية العليا بأمر بعد مداولة مجلس الوزراء ولكن على أساس اقتراح من الوزير المعني، ولم يسمح بحال أن يكون الاقتراح من رئيس الحكومة لا يعترض عليه الوزير المعني، هذا على فرض قبول الحمامي بمقترح الشاهد، وفي كل الحالات فالقربي في تاريخ التعيين بلغ 61 سنة و9 أشهر وبالتالي هو في سن التقاعد، والفصل 24 من القانون عدد 12 لسنة 1985 (قانون التقاعد) اذ يسمح بالتمديد فهو يربطه بشروط جوهرية، لم تتوفر حسب ما هو متاح في وضعية الحال، فمن ناحية يشترط وجود تقرير معلل من الوزير المعني، ومن ناحية أخرى يستوجب وجود أمر ابقاء بحالة مباشرة، وبالبحث لم نعثر على أمر ابقاء القربي في حالة مباشرة بعد تجاوزه سن التقاعد بأكثر من سنة، ورئيس الحكومة ذاته خالف المنشور التطبيقي لهذا القانون عدد 16 لسنة 2016، المتعلق بالالتزام بالقواعد المنظمة لمواصلة الاعوان العموميين للعمل بعد بلوغ سن التقاعد». وفِي واقع الامر فان الصادق القربي لم يكن الوحيد الذي رافقه كل هذا الجدل بعد «خطيئة» التعيين حيث يضاف اليه وزير المالية الحالي رضا شلغوم ووزير التربية حاتم بن سالم واللذان كانا من اهم وزراء حكومات الوزير الاول محمد الغنوشي قبل ان تسقطها ثورة 17ديسمبر 14 جانفي». بالإضافة الى كل ذلك فان الجدل مازال قائما ايضا حول تعيين النائب (المستقيل) عن نداء تونس الطاهر بطيخ كرئيس للبعثة الجامعية التونسية بفرنسا، وكان بطيخ يوم 27 سبتمبر 2017 قد كذب كل الأخبار المتعلقة بتعيينه في باريس واصفا إياها بالأخبار «المفتعلة والمغرضة» بيد ان حقيقة تعيينه الْيَوْمَ باتت أكثر وضوحا.