قررت المغرب بداية من أول أمس «تعويم» الدرهم عبر تطبيق نظام أكثر مرونة لسعر صرفه يشمل زيادة المساحة التي يمكن أن يتحرك فيها سعر «الدرهم» بنسبة 2.5 % زيادة أو تراجعا بدلا من نسبة 0.3 % المطبقة حاليا على سعر الصرف الأساسي المحدد من قبل بنك المغرب. وهذا الخيار كانت مصر اتبعته منذ 3 نوفمبر 2016 بالنسبة ل»الجنيه» المصري الذي تم التخفيض في قيمته و«تعويمه»مما أثر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في مصر. «التعويم» الذي أعلنت عنه المغرب رسميا ومن قبلها مصر يجعلنا نتساءل عن وضع الدينار اليوم في تونس وهو الذي يعيش انهيارا متواصلا وتراجعا كبيرا في قيمته دون الإعلان الرسمي عن «تعويمه» مثلما يطالب بذلك صندوق النقد الدولي.. وقد تراجع سعر صرف الدينار التونسي إلى مستويات قياسية هي الأدنى منذ سنوات، إلى 2.51 ديناراً مقابل الدولار الواحد و2.96 دينار مقابل الأورو الواحد. مرور تونس إلى «التعويم» الرسمي للدينار يبدو صعبا في الوقت الراهن بل قاصما للاقتصاد. فرغم الايجابيات المعلنة نظريا لمثل هذا الخيار ومنها إحلال الثقة الدولية والإقليمية في العملة المحلية وتدفق العملات الصعبة على البنوك وخفض الواردات وزيادة الصادرات إضافة إلى تحسن مردودية السياحة والقضاء على المضاربة في السوق السوداء ورفع تحويلات التونسيين في الخارج والرفع من صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة.. فان سلبيات إجراء تعويم العملة كبيرة وخطيرة منها ارتفاع كلفة المعيشة وارتفاع قيمة الدين الخارجي والنقص الحاد لبعض السلع في السوق وارتفاع الضغوطات التضخمية التي ستكون لها تأثيرات سلبية على الاستهلاك كمحرك نمو أساسي وعلى المقدرة الشرائية للمواطن وعلى المالية العمومية باعتبار أن تونس دولة موردة أكثر مما هي مصدرة وهو ما يعني أن «التعويم» سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الواردات مقابل تراجع قيمة الصادرات. والمقارنة بالمغرب أو مصر لا يجوز بالنسبة لتونس فالثانية خاضعة كليا لأوامر صندوق النقد ونتائج التعويم أضرت بها أكثر مما نفعتها أما الأولى فاقتصادها متماسك وقطاعها المالي صلب كما أنها تتوفر على احتياطي ملائم من العملة الصعبة ولا تعاني من نسبة تضخم عالية.. واتخذت قرارها فقط من أجل توفير حماية أكبر لاقتصادها من الصدمات الخارجية والمحافظة على التنافسية. والأجدى بالنسبة لتونس اليوم اتخاذ إجراءات استثنائية تستعيض بها عن «التعويم»، خاصة أن قيمة الدينار تتراجع منذ 2014 بشكل متواصل وحاد، من ذلك الضغط على العجز التجاري بإجراءات استثنائية منها إيقاف توريد بعض المواد الكمالية، والزيادة في المعاليم القمرقية على بعض المواد الأخرى ورفع الصادرات وإعادة الثقة بالاقتصاد المحلي في أعين المستثمرين الأجانب والحد من التهريب والسوق السوداء..