لا تبدو معضلة تعطيل الانتاج في طريقها إلى الحل، ففي كل مرة يتم فيها الحديث عن اجراءات صارمة وردعية لمنع تعطيل الانتاج وقطع الطرقات ويعتقد كثيرون أنها مسألة محسومة مدانة ومتفق عليها من الجميع، إلا ويعود الموضوع ليطرح من جديد وبأكثر حدة بالنظر إلى حجم تداعياته السلبية في ظرف اقتصادي صعب. ونعود اليوم مرة أخرى للحديث عن تعطيل عمل شركة فسفاط قفصة وخسائر ناهزت 2 مليون دينار يوميا بسبب الاحتجاجات في وقت بدأت فيه عجلة الانتاج بالعودة تدريجيا للدوران وإن مازالت بعيدة عن المستويات العادية لكنها تظل نقطة ضوء يعول عليها في الرفع من نسب التصدير وتحسين عائدات الدولة من العملة الصعبة. كما يتواصل توقف الانتاج في معمل الاسمنت الأبيض منذ شهرين مما أثر سلبيا على قطاعات أخرى كمصانع الجليز والمنتوجات الخزفية والبعث العقاري، ولتجاوز المأزق قد يتم اللجوء للتوريد، الأمر الذي ينذر بالمزيد من التداعيات السلبية على واجهتين عبر استنزاف المزيد من احتياطي العملة الصعبة وأيضا الزيادة في تضخم أسعار الاستهلاك محليا. وفي سياق الحديث عن معضلة توقف الانتاج لا يجب أن نغفل أزمة شركة «ستيب» حيث توقفت عن الانتاج منذ جويلية الفارط قبل أن يتم أول أمس ابرام اتفاق لانهاء الأزمة واستئناف النشاط وهي خطوة إيجابية لكنها تأخرت كثيرا وكان المستفيد الأكبر من الأزمة المهربين والسوق الموازية على حساب المصالح العليا والاستراتيجية للدولة. يحدث كل ذلك وسط صمت مريب من الجميع رغم العلم بخطورة الأوضاع المالية والاقتصادية ونحن نعيش على وقع مستويات قياسية في تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة لم نصله منذ 15 سنة بالإضافة إلى شح في السيولة وعجز غير مسبوق للميزان التجاري واحتقان اجتماعي خلفته الإجراءات المؤلمة لقانون المالية. إن تواصل الفشل في حل معضلة توقف الانتاج سواء على مستوى القدرة على إدارة التفاوض مع المحتجين والتوصل إلى حلول في أقرب الآجال أو عبر تطبيق القانون على المخالفين سيزيد من تعميق الأزمات في البلاد واستنزاف المزيد من منسوب هيبة الدولة وثقة المواطن في المستقبل. ولعل الملاحظة الأبرز أمام تواصل تعطيل الانتاج هي غياب أي دور يذكر لأحزاب الحكم والمعارضة على حد السواء في تأطير الاحتجاجات والسعي لإيجاد الحلول بالتوازي مع الأطراف الرسمية حفاظا على مشروعية الاحتجاجات ومطالب المحتجين من جهة وضمانا للمصالح العليا للوطن من جهة أخرى. وتواصل حالة التراخي في وقف نزيف الاحتجاجات العشوائية وتفشي ثقافة تعطيل الانتاج سيدفع فاتورته الجميع دون استثناء.