عندما يعلن المدير العام للمعهد الوطني للإحصاء عن عدد الفقراء بتونس و«يضبطه» بمليون و694 على أساس «منهجية الفقر المادي» التي يعتمدها المعهد، يبقى الرقم في حاجة ليس إلى قراءات متعددة الاختصاصات فسحب، بل أيضا إلى توضيحات وحجج ليقتنع الرأي العام بهذا الرقم. ولا يعني هذا تشكيكا في الرقم في حد ذاته بما أنه صادر عن جهة رسمية وتعتمد أرقامها ومعطياتها في صياغة سياسة الحكومة إلا أن وضع عدد الفقراء في سياق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحالية بمختلف تجلياتها سيكون كفيلا بالتدليل على أن حجم المعاناة لدى التونسيين أوسع من أن تختصر لدى فئة محددة. ولعل الحديث عن الفقراء يجر حتما إلى الحديث عن الطبقة الوسطى التي ما فتئت المسافة تضيق بينها وبين فئة الفقراء ذلك أنه رغم الاختلاف في المداخيل فإن المعاناة واحدة حيث يؤكد لجوء الأسر إلى التداين وضعف الادخار لدى الأفراد ومراوحة البطالة مكانها وارتفاع الأسعار وعدم القدرة لدى ما تبقى من الطبقة المتوسطة على التمتع بالحق في الترفيه أو امتلاك سيارة، كلها عناوين فقر مقنع لا يمكن أن تدركه «منهجية الفقر المادي». وبالنظر إلى تلك الأوضاع يصبح عدد الفقراء في تونس شاملا جانبا من الطبقة الوسطى التي تتخبط هي الأخرى في مشاكل حياتية وتسعى إلى حلها بالديون أو بعمل إضافي وغيرها من الممارسات والحيل لتجاوز إفرازات الأزمة المتواصلة منذ عقود والتي ازدادت حدة خلال السنوات السبع الماضية. ومن المفارقات أن الترويج لمقولة «التونسي يعيش فوق إمكانياته» يُراد في جانب كبير منه الإيحاء بأن «أحوال» التونسيين جيدة إلا أن هناك من ينفق أكثر من قدراته وهو ما يمثل مغالطة حيث أن الأسعار سواء تعلقت بالغذاء أو الملابس أو السكن شهدت ارتفاعا صاروخيا مما جعل نسبة كبيرة تعبر عن تشاؤمها بخصوص المستقبل. ومادام انعدام مبدإ العدالة الاجتماعية قاسما مشتركا في توجهات الحكومات المتعاقبة وسياساتها والافتقار إلى الجرأة في تعيير المنوال التنموي وفي تجسيد التمييز الإيجابي بين الجهات لا يمكن التكهن بتحسن الآفاق ما دمنا نكتفي بإحصاء عدد فقرائنا ونتهم الطبقة الوسطى بالعيش فوق قدراتها.. أي كل هذا في «أدبيات» الأحزاب وحسابات الطبقة السياسية؟