لم تكد بلادنا تتجاوز صدمة تصنيفها ضمن القائمة السوداء للدول التي تعاني من التهرب الجبائي، والتي أمكنها الخروج منها لاحقا إلى القائمة الرمادية الأقل خطورة، حتى عالجها الاتحاد الأوروبي بصدمة أخرى أشد وقعا ألا وهي تصنيفها في قائمة البلدان الأكثر عرضة لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب... تصنيف لا تخفى طبيعته الظالمة لبلادنا والجهود التي بذلتها ومازالت تبذلها سواء في مجال الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتثبيت احترام حقوق الانسان والتعبير، أو في مجال مكافحة الإرهاب والذي يشهد القاصي والداني في هذه المعمورة على ما حققته فيه من نجاحات لا تضاهى حتى في دول أكثر منا تقدما وإمكانيات بشرية ولوجستية. تصنيف لا يساورنا شك في أنه ستكون له تداعيات غير مرغوبة على سمعة تونس ومساعيها الجادة لاستعادة ثقة شركائها الغربيين التقليديين وثقة المستثمرين الأجانب بالخصوص والذين تعول بلادنا على قدومهم ومساهمتهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني والمشاركة في دعم مسيرة التنمية فيها، ومن شأنه أن تكون له انعكاسات جد سلبية على عمليات الاقتراض من الخارج والتي قد تتمثل في ترفيع هام في نسب الفوائد الموظفة في ظرف تحتاج فيه البلاد إلى الخروج إلى الأسواق المالية العالمية لطلب المزيد من الاسناد والدعم للمجهودات التنموية فيها. إنه مع الإقرار بأن بلادنا لا تستحق من الاتحاد الأوروبي مثل هذه المعاملة، لا بد من الاعتراف أيضا بأن وراء بلوغنا هذه الوضعية تهاون في تحمل المسؤوليات على الوجه المطلوب من قبل مخططي ومسيري السياسة النقدية في بلادنا لعل أكثرها أهمية الفشل في تطوير الأداء إلى الالتزام التام بالمقاييس المعتمدة دوليا فيما يتعلق بالشفافية المالية وبتعقب مصادر الأموال، وهو الأمر الذي كثيرا ما تم التنبيه إليه إعلاميا وبالخصوص بطرح السؤال عن حجم موازنات الأحزاب السياسية والجمعيات ومصادر تمويلها، ناهيك عن غياب التصريح بالممتلكات للمسؤولين الكبار في الدولة من وزراء وكتاب دولة ونواب بمجرد استلامهم لمناصبهم وعند مغادرتهم لها. إن المطلوب اليوم الإسراع بالقيام بما هو ضروري لاستعادة ثقة المجتمع الدولي في نظامنا المالي وبالتالي استعادة مكانتنا بين الدول الموثوق فيها، ولا شك في أن ذلك يبدأ بإعلان حالة طوارئ اقتصادية تسمح باتخاذ الإجراءات الفعالة لإنهاء وضعية التسيب المالي الحالية.