لاتزال التصنيفات الأوروبية تلقي بضلالها الشاحبة على الوضع الاقتصادي والمالي وذلك بعد ان اجل صندوق النقد الدولي امس صرف القسط الثالث من القرض المقرر إسناده لتونس خلال شهر مارس ليرحل الى شهر جوان القادم وذلك على خلفية ادراج بلادنا ضمن القائمة السوداء للدول المعرضة لمخاطر تبيض الأموال وتمويل الإرهاب. ويبدو واضحا ان الامر آخذ في الانحدار اكثر سيما مع التخوفات المتزايدة من التأثيرات السلبية للوضع الجديد اجتماعيا وسياسيا، ولأن الوضع لا يحتمل التأجيل فقد اعتبرت المنصة الإقتصادية العالمية "بلومبيرغ" مقرها نيويورك اول امس الخميس في تقرير لها و بحسب "ريكاردو فابياني" كبير المحللين المختصين بالشرق الاوسط وشمال افريقيا"أن اقالة رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد لمحافظ البنك المركزي الشاذلي العياري يعتبر إشارة سيئة في توقيت حساس". واضاف فابياني "إن انتعاشة الاقتصاد التونسي رهينة تعزيز الإستثمار ونمو القطاع الخاص للتخفيض في نسبة البطالة بين الشباب ب30% وهذا لن يتم بتغيير مدير البنك المركزي والسياسة النقدية لأن هذه المؤسسة تتبع في جوهر اجراءاتها الإصلاحات التي اوصي بها صندوق النقد الدولي". وبعيدا عن تاثيرات الخارج فان سياقات الإصلاح الاقتصادي في بلادنا باتت ضرورة عاجلة لإعادة الحد الأدنى من التوازنات الممكنة، توازنات قد تخلص البلاد من تبعات الارتهان الى الجهات المانحة والمقرضة التي أخذت تضغط لرسم ملامح اقتصادنا الوطني. وإذا ما افترضنا جدلا أن مفهوم الإصلاح مازال ممكننا رغم الهزات الحاصلة والتصنيفات السوداء المتتالية فإن السؤال المحوري من أين نبدأ وكيف يمكن ان يتحقق هذا الإصلاح؟ الدعوة لحوار اقتصادي وإجتماعي بعد اعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد حربه على الفساد توجهت حركة النهضة وعلى لسان رئيس الحركة راشد الغنوشي، في حوار خاص لقناة نسمة، بتاريخ غرة أوت 2017، إلى تنظيم حوار وطني إجتماعي إقتصادي يجمع إتحاد الشغل ومنظمة الأعراف وإتحاد الفلاحين والأحزاب قصد إيجاد المخرج الآمن للوضع الاقتصادي والمالي. وأكد الغنوشي أن تونس تتجه نحو مزيد الغرق ومزيد الديون والتبعية في صورة عدم التوصل إلى توافقات مجتمعية، موضحا أنه على الحكومة أن تقود الحوار وتدعو إليه وتلتزم بتطبيق مخرجاته". وقد حاولت حركة النهضة التركيز على تناقضات المشهد الاقتصادي وتأثيراته على المسالة الاجتماعية وهي ذات النقاط التي نبه لها الامين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي الذي حذّر في اكثر من مناسبة وعبر عن تخوفات المنظمة من أزمات اجتماعية حادة نتيجة التحولات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. وأصدر الاتحاد امس بيانا تضمن الدعوة الى جملة من الإصلاحات الاقتصادية منها بعث لجنة وطنية مستقلّة لتقييم المراقبة البنكية وكذلك أعمال لجنة التحاليل المالية وتقديم الإجراءات الكفيلة بإعادة الاعتبار لدور البنك المركزي الرقابي على التداول المالي الدّاخلي والخارجي ودعم استقلاليته وإصلاح منظومات المراقبة المعلوماتية وتقييم المخاطر وتطوير أداء أجهزته وتعصير الإدارة ورقمنتها مع منح المسؤولية لذوي الكفاءة والخبرة والإلمام بعيدا عن المحسوبية والمحاصصة كذلك الإسراع بسنّ قانون متعلّق بالتصريح بالمكاسب والمصالح في القطاع العام والوظيفة العمومية والقطاع الخاص وبمكافحة الإثراء غير المشروع مع إعادة النظر في الإعفاءات الجبائية وإحداث قانون للحدّ من المعاملات النقدية التي تتجاوز 5 آلاف دينار. وعن واقع الإصلاح اعتبر الامين العام لحركة مشروع تونس محسن مرزوق أن المسالة تتطلب مسارا تصحيحيا بعيدا عن منطق المحاصصة والغنيمة السياسية فطلب اعفاء محافظ البنك المركزي وتكليف مروان العباسي عوضا عنه كان من المقترحات التي تقدمنا بها لخطة وزير المالية في التعديل الوزاري الأخير هو دليل على صحة دعوتنا لتصحيح المسار ودليل أيضا أن من يحاججنا بضرورة الحفاظ على الاستقرار لا حجة له والا ما معنى هذا التغيير أمام استمرار الأزمة وانحدار سمعة البلاد وتآكل اقتصادها؟ واضاف مرزوق "إن التصحيح يجب أن يطال الحكومة ذاتها حتى لا يصبح محافظ البنك المركزي كبش فداء وشجرة تحجب الغابة متسائلا في ذات السياق عن الدور الحقيقي لكتابة الدولة للخارجية المكلف بالسياسة الاقتصادية ودور حاتم الفرجاني في حل هذه الأزمة على اعتباره ممثلا للديبلوماسية التونسية". الإصلاحات الكبرى من جهته اعتبر الناطق الرسمي باسم نداء تونس منجي الحرباوي ان الإصلاحات الاقتصادية لم تعد مطلبا حزبيا بل أصبحت مطلبا شعبيا ملحا "وقد عبرنا عن هذا الموقف منذ الدعوة الى مؤتمر اقتصادي اجتماعي بمشاركة كل الاطراف الوطنية دون استثناء وقد أعدنا الدعوة مجددا خلال الاجتماع الاول للموقعين على وثيقة قرطاج على اعتبار اننا على وعي بضرورة تغيير المنوال الاقتصادي الكلاسيكي الذي تجاوزه الزمن". وعن شروط الإصلاح بين الحرباوي ان المنوال التنموى لم يستجب لللتطلعات الاجتماعية ومتطلبات الثورة خاصة في مجالي التشغيل والتنمية الجهوية من ناحية التمييز الإيجابي اضافة الى كل الحقوق الاجتماعية فالمنوال الاقتصادي يجب ان يقوم على رؤية جديدة. وختم المتدخل أن لا احد قادر على إنجاز الإصلاحات الاقتصادية بصفة احادية وهنا سيبرر دور المنظمات الوطنية الكبرى كمنظمة الأعراف والفلاحيين واتحاد الشغل و"علينا ان نتذكر انه بالحوار تجاوزت تونس أزمتها السياسية وبالحوار ستتجاوز تونس ايضا ازمتها الاقتصادية". من جهته اصدر أمس حزب بني وطني بيانا حمل فيه المسؤولية كاملة للحكومة ولرئيسها في الأزمة الاقتصاديه والاجتماعية التي تمر بها البلاد وطالبها بالتسريع في إعادة النظر في السياسيات العامة للبلاد وخاصّة منها السياسية الصناعيّة وسياسة الطاقة وإصلاح نظام الجباية وضرورة القيام بتقييم كامل لمنظومة المراقبة لامكانية مقاومة حقيقية للفساد. فهل تنجح الأحزاب في تجاوز خلافاتها وتؤسس لمرحلة سياسية واقتصادية مستقرة؟