واشنطن تقرئكم السلام.. لامساهمة في اعمارالعراق... هذا ما تروج له الادارة الامريكية قبل موعد مؤتمر اعادة اعمار العراق المرتقب في الكويت غدا، في موقف يُذكّر كم هو سريع وسهل وهين تدمير وتخريب الاوطان، وكم هو شاق وطويل ومكلف اعادة البناء والاعمار... قبل ايام وخلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى تونس أقر، في سابقة من مسؤول فرنسي، أن بلاده "تتحمل نصيبا من المسؤولية إزاء ما يحدث في ليبيا من انهيار وإن فرنسا ومعها الغرب أخطأوا بالتدخل في ليبيا لاسقاط النظام السابق دون وجود خطة طريق واضحة للمستقبل ولإعادة البناء".. ولاشك أن في هذا الاعتراف غيرالمسبوق ما يمكن أن ينسحب على أكثر من بلد محطم اليوم جراء التدخل العسكري الخارجي.. والاكيد أن ملف اعادة الاعمار لا يتوقف عند المشهد العراقي بل يمتد الى المشهد السوري والليبي واليمني والسوداني وربما بدرجة أقل المشهدين المصري والتونسي... لقد كشفت مختلف التجارب أن الهدم والتدمير والسقوط دوما أسرع وأسهل من البناء والاعمار والصعود، وأن اعلان الحروب دوما أسرع وأبسط من صنع أو تحقيق السلام، تماما كما أن ثمن الامن والتنمية والاستقرار أكبر من كل اعمال التدمير والتخريب... بعد 15 عاما على اجتياح العراق، لا يزال هذا البلد يغرق في صراعاته ودماء أبنائه وفساد قادته وحكامه، وسيكون من الغباء الاعتقاد بأن ما سيقدمه المشاركون في مؤتمر الكويت سيعيد بناء هذا البلد وإنقاذ مصير أكثر من جيل ولد ونشأ على وقع الحروب والدم والتطرف.. والحقيقة أن في الاعلان الامريكي عن دور واشنطن في هذا المؤتمر ما يزيل كل الاوهام بأن انقاذ الاوطان وإعادة بنائها لا يمكن أن تنفذها أياد أجنبية.. هل يفترض بنا ان نقول شكرا على الصراحة الامريكية حتى وإن تحولت الى وقاحة لا حدود لها؟ والسبب في ذلك أنها وقاحة يفترض أن تدفع الى فتح البصائر وإعادة قراءة دروس التاريخ التي تظل أفضل معلم لمن أراد تجنب تكرار الكوارث التي تدفع الى تدمير الشعوب والاوطان... عندما عين هوشيار زيباري وزيرا لخارجية العراق بعد الاجتياح الامريكي لهذا البلد ظل يروج في مختلف تصريحاته بأن الانسحاب الامريكي لن يتم قبل أن يعيد الامريكيون بناء واعمار ما هدموا وخربوا في بلاد الرافدين. وقد جاء الجواب واضحا و صريحا من الادارة الامريكية التي استبقت مؤتمر اعادة اعمار العراق المرتقب في الكويت بالتأكيد أن لا مساهمات امريكية في اعادة اعمار هذا البلد وأن الدور الامريكي سيقتصر على المشاركة والتشجيع على الاستثمار الخارجي.. وزير الخارجية الامريكي ريكس تيلرسون أعلن حضوره المؤتمر وستكون مهمته - كما قال - تشجيع الاستثمارات في القطاع الخاص بالاعتماد على دول الجوار الخليجية وخاصة السعودية لضخ الاموال المطلوبة.. ولا غرابة في هذا الموقف اطلاقا ولعل من كان يعول على دور آخر غير هذا الدور المعلن كان غارقا في الاوهام. فقد سبق للرئيس دونالد ترامب الاعلان خلال حملته الانتخابية انه بعد فوزه في الانتخابات "سينتهي عهد بناء الدول"، فيما اشترطت بريطانيا من جانبها أن تخصص القروض التي ستقدمها، للشركات البريطانية التي ستشارك في البناء والاعمار.. العراق في حاجة اليوم لمائة مليار دولار لاعادة بناء بنيته التحتية بعد كل الدمار الذي لحقها خلال الحرب على تنظيم "داعش" وهو يتطلع الى مؤتمر الكويت الذي ينعقد بمشاركة الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة والبنك الدولي.. المؤلم فعلا أن مؤتمرات اعادة الاعمار في الدول المنكوبة أشبه بالمزادات العلنية حيث تتنافس الشركات الكبرى على الفوز بالصفقات والعقود الكبرى لمواصلة استنزاف الاوطان والاستثمار في مآسي الشعوب التي أرادت الهروب من طغيان الحكام فوقعت في فخ طغيان المتاجرين بحقوقها واحلامها وطموحاتها.. كم من الأجيال ستضيع قبل إعادة بناء وإعمار ما تهدم؟!...