عندما تصر الصحافة الاسرائيلية على التذكير في هذه المرحلة بأن قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب إعلان القدسالمحتلة عاصمة لإسرائيل تم بعلم وموافقة دول عربية وتحديدا خليجية، فإن في ذلك ما يستوجب التوضيح.. وعندما تعود «إسرائيل هايوم» مجددا للتوقف عند «صفقة القرن» لتؤكد هذه المسألة على لسان الرئيس الامريكي دونالد ترامب وتكشف ان «العلاقات المستقبلية مع دول الخليج بما في ذلك المملكة العربية السعودية وإسرائيل تتحسن كثيرا»، فإن ذلك لا يمكن ان يترك المتتبع للشأن العربي والفلسطيني على الحياد لأن في مثل هذا التوجه ما يضاعف الشكوك ويفاقم الغموض والمخاوف بشأن ما خفي من صفقة القرن... وعندما تنقل الصحيفة عن ترامب قوله: «أعتقد أنهم يحترمونني، وقبلوا ما فعلته بشأن قراري بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل»، فإن في ذلك ما يفترض رؤيتان لا ثالث لهما: فإما أن تكون الصحيفة الاسرائيلية صادقة وهو ما لا نريد القبول به، وإما أن تكون على العكس من ذلك بمعنى أنها غير صادقة وهو ما يفترض توضيح الامر من الاطراف المعنية التي ذكرتها الصحيفة وتكذيب ما نسب لها والتنصل من تلك الافتراءات التي ترتبط بأهداف محددة ليست غريبة عن مخططات وتوجهات الاحتلال... أما الإصرار على الصمت وعدم توضيح الامر فيعني أن كل الفرضيات تبقى مطروحة. طبعا، لكل دولة الحق في تحديد توجهاتها وخياراتها الديبلوماسية وحلفائها وهي مسألة متعارف عليها في القوانين والبروتوكولات الديبلوماسية عندما يتعلق الامر بالعلاقات العادية وليس بالعلاقات مع دولة مارقة ما انفكت تدوس على الشرعية الدولية وتحتل أراضي الغير بقوة السلاح وتمارس كل أنواع الجرائم التي ترقى إلى جرائم الحرب من احتلال واستيطان وتهجير جماعي وتدمير للهوية، وهي مسائل موثقة منذ أكثر من نصف قرن. بعد مضي أكثر من ستة أشهر على اعلان الرئيس ترامب «صفقة القرن» خلال زيارته الاولى من نوعها الى الرياض، التي اختارها لتكون أول محطة له بعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، وبعد نحو ثلاثة أشهر على إعلانه نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدسالمحتلة في استهتار معلن بكل قوانين الشرعية الدولية، تعود الصحف الاسرائيلية للتأكيد على ما حدث من توافق بين واشنطن ودول خليجية بشأن مصير مدينة القدس.. وهي مسألة تحتاج في الحقيقة الى توضيحات ورفع للالتباس، لا سيما وأن الدول العربية وتحت مظلة جامعة الدول العربية أعلنت رفضها لهذا الاعلان المجحف ودخلت معركة سياسية وديبلوماسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة حظيت بدعم واسع من مختلف دول العالم التي صوتت ضد قرار الرئيس الامريكي برغم الابتزازات والمقايضات بوقف المساعدات المالية التي تقدمها لتلك الدول... طبعا، ندرك جيدا دور الآلة الدعائية الاسرائيلية وما تتمتع به من إمكانيات وقدرة على استقطاب الرأي العام الاسرائيلي والدولي، وعلى قلب وتزييف الحقائق واستغلالها بما يعزز الموقف الإسرائيلي، تماما كما ندرك ما تحظى هذه الآلة الدعائية من دعم من جانب اللوبيات الصهيونية المتنفذة وقدرتها أيضا على التأثير على مؤسسات صنع القرار في واشنطن كما في العواصم الدولية المالية والسياسية.. الحقيقة أن جانبا من تصريحات ترامب عندما يقول «أن الوقت حان لأن ينظر الناس بعيدا عن الموت والدمار»، لا يجانب الصواب. فقد أرهقت الصراعات الأمم والشعوب وساهمت في ضياع أجيال وبددت الثروات وأجهضت الآمال والطموحات لأجل عالم بدون حروب وموت وخراب.. بل قد يكون في الاتجاه الصحيح عندما يعتبر أن من الحماقة عدم توصل الفلسطينيين والاسرائيليين إلى حل... ولكن عندما يؤكد ترامب أن الجميع يتبنون «خطة السلام الذكية جدا بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن السعودية ودولا أخرى، قطعت شوطا طويلا في هذا الأمر»، فان في ذلك ما يعيد الى السطح نظرية المؤامرة بكل ما تحمله من نذر شؤم لفرض المزيد من التنازلات على الطرف الأضعف والانتصار للجلاد مقابل الضحية... إلى هنا، لا يمكن ألا نتوقف عند استئناف القضاء الاسرائيلي بالأمس محاكمة الطفلة الفلسطينية عهد التميمي والتي تتجاوز في الحقيقة إطار محاكمة الطفلة الايقونة، التي تعاطف العالم معها، لتتحول الى محاكمة للعدالة الدولية العرجاء التي لا يرجى لها من أمل طالما استمر التجني الاسرائيلي الامريكي واستمر في المقابل الصمت العربي المريب وشبهة التواطؤ التي لن يزيلها غير تكذيب رسمي واضح لادعاءات الجانب الاسرائيلي... كذّبوا ترامب إن كنتم صادقين...