في جلستهم العامة المنعقدة مساء أمس بقصر باردو للنظر في طلب تعيين محافظ البنك المركزي الجديد مروان العباسي.. طالب السواد الأعظم من النواب العباسي بأن يبذل كل جهوده، وبأن يوظف كل خبراته، وبأن يستغل كل كفاءاته، وبأن يستثمر كل علاقاته من أجل تونس.. وبأن يكون رجل تونس.. تونس وحدها. وهناك منهم من صارحه بأنه لا يثق في من هو قادم من البنك الدولي. وصوت المجلس قبل ذلك على تغيير جدول أعماله في اتجاه إلغاء جلسة التصويت على طلب اعفاء الشاذلي العياري، وذلك بعد أن سارع العياري بتقديم استقالته الى رئيس الحكومة ليلة أمس الأول إثر حضوره في لجنة المالية والتخطيط والتنمية بمعية أعضاء لجنة التحاليل المالية للحديث عن ملابسات تصنيف تونس في القائمة السوداء للبلدان الأكثر عرضة لتمويل الارهاب وتبييض الأموال. وقبل المرور إلى جوهر الموضوع، واصل العديد من النواب ما بدأوا الحديث عنه في الكواليس طيلة اليوم من وجود اشكالات اجرائية.. وهناك منهم من اعتبر الجلسة العامة بسبب الاخلالات القائمة باطلة وتمسك بإرجاء النظر في طلب تعيين المحافظ الى حين قدوم رئيس الحكومة بنفسه إلى البرلمان.. وهناك من ذهب الى أبعد من ذلك وتجاوز اثارة الاشكالات الاجرائية وطالب بحضور رئيس الحكومة ليفسر أمام مجلس نواب الشعب لماذا طلب إعفاء الشاذلي العياري وأي نوع من الضغوطات مورست على العياري وجعلته يعجل بالاستقالة والحال أنه عندما جاء قبيل سويعات قليلة الى لجنة المالية قدم البراهين والادلة على أن لجنة التحاليل المالية التي يرأسها ليست هي التي ارتكبت الخطيئة التي ادت الى ادراج تونس في القائمة السوداء المنحوسة.. وقالوا ان ما دفعهم الى المطالبة بحضور رئيس الحكومة هو ما سمعوه في كواليس البرلمان أمس الأول من محاولات للضغط على العياري واستحثاث له كي يستقيل حتى لا يتعرض الى مزيد من الاهانة. محمد الفاضل بن عمران النائب عن النداء هو الذي بادر بإثارة الاشكاليات الاجرائية واستدل بما جاء في الفصل 78 من الدستور وبين انه من غير المقبول اخلاقيا ان يأتي المحافظ المقترح تعيينه بمفرده الى البرلمان وذكر انه على رئيس الحكومة ان يأتي بنفسه وأشار الى انه سمع باستقالة المحافظ الشاذلي العياري عن طريق الصحافة وهو لا يفهم كيف يمضي المجلس في الغاء جلسة عامة برمجها للنظر في طلب الاعفاء بسبب استقالة سمع عنها في وسائل الاعلام. وبين منجي الرحوي النائب عن الجبهة الشعبية ان التهرب الضريبي مفهوم لكن التهرب السياسي غير مفهوم وفسر ان لجنة المالية طلبت عقد جلسة حوار مع الحكومة حول تصنيف تونس جنة ضريبية وتصيف تونس في قائمة البلدان المعرضة لتمويل الارهاب وغسل الاموال ويجب تنظيم هذا الحوار وفي نفس السياق طالب احمد الصديق النائب عن نفس الكتلة يوسف الشاهد بالقدوم الى البرلمان بصفته الجهة التي رشحت المحافظ الجديد وتساءل مستنكرا لماذا يخفي الشاهد وجهه وقال انه عليه ان يسمع النواب ويجيبهم عن جميع اسئلتهم بما فيها المتعلقة بالاستقالة التي فرضت على الشاذلي العياري. وذكرت سامية عبو النائبة عن الديمقراطية أن ما يحدث في البرلمان فضيحة لان محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري عندما حضر في لجنة المالية حمل المسؤولية المطلقة في تصنيف تونس في القائمة السوداء للحكومة ولرئيس الحكومة لكن وقع الضغط عليه فاستقال.. وقالت كيف يطلب منها الصمت وقد شاهدت كل شيء أمامها. وبين الحبيب خضر النائب عن النهضة ان الاجراءات سليمة وفسر ان جلسة التصويت على تعيين محافظ البنك المركزي ليست مثل جلسة التصويت على منح الثقة للحكومة وقدم خضر قراءة في ما جاء في الدستور وفي المقابل ذكرت ريم محجوب النائبة عن افاق تونس أنها بصفتها مؤسسة تعتبر ان قراءة الدستور واضحة ولا تحتمل اي تأويل وهي تستغرب من كلام مقرر الدستور وأكدت أن اجراءات الجلسة خاطئة وبالتالي فهي جلسة باطلة والموضوع ليس في حاجة الى الإفتاء ودعت رئيس المجلس رفع الجلسة وتوجيه طلب الى رئيس الحكومة كي يأتي الى المجلس ويفسر سبب طلب التعيين وسبب طلب الاعفاء لان هناك من يتكلم عن ضغوطات مورست على العياري. وذكر علي بن نور النائب عن افاق تونس ونداء التونسيين بالخارج انه يجب التساؤل لماذا تم تغيير جدول الاعمال وأنه يجيب أن الشاذلي العياري كان سيأتي الى الجلسة العامة وهو ما تأكد في لجنة المالية اول امس لكن صارت «بيعة وشرية» وهناك من نصحوا المحافظ بان لا يأتي ونصحوه بتقديم استقالته حتى لا يأتي للجلسة العامة وحتى لا «يصير فيه ما يصير».. واعتبر بن نور ما حدث بدعة واخلالا بالميثاق الاخلاقي السياسي وطلب بدوره برفع الجلسة. وذكر انه يجب ان يفهم أولا لماذا حدث كل هذا لان السبب هو وجود فساد في البنك المركزي وقيل ان المحافظ تحوم حوله شبهات فساد لذلك يجب فهم الحقيقية. وبعد استماتة العديد من النواب في الدفاع عن وجهات نظرهم في علاقة بالمسائل الشكلية أطلع محمد الناصر الحاضرين على فحوى المراسلات الواردة من رئاسة الجمهورية ومن رئيس الحكومة ودعاهم الى المضي الى النقاش العام لمطلب تعيين المحافظ الجديد، لكن أحمد الصديق رئيس كتلة الجبهة الشعبية طلب رفع الجلسة للتشاور وهو ما حدث. وباستفسار الصديق عن نتيجة المشاورات أجابنا أن كلته لن تصوت للمحافظ الجديد.. وانتهز نواب بقية الكتل رفع الجلسة وتجمعوا في باحة البرلمان لنقاش هذه المسألة ولاستفسار بعضهم البعض حول نوايا التصويت، ولوحظ حضورا قويا لإياد الدهماني الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب الذي راح يتنقل بين النواب ويتحدث معهم.. وعند استئناف الجلسة ولم يخف العديد من النواب اعترافهم للمحافظ المستقيل الشاذلي العياري بما قدمه للبلاد، وقدموا قائمة طويلة من المطالب للمحافظ الجديد. مطالب.. ومحاذير سمير ديلو النائب عن النهضة بين أن تحديد المسؤوليات في دولة القانون والمؤسسات مسألة مهمة تتم تحت سقف الدستور واحكام القانون ورقابة الاعلام والمجتمع المدني في الداخل والخارج. واكد ان المصلحة العليا للبلاد في هذه المرحلة الصعبة تقتضي اضافة الى احترام الدستور والقانون الالتزام بواجب التحفظ خاصة اذا تعلق الامر بمسؤولين سامين في الدولة.. وذكر ان ما حصل مؤخرا من تقاذف بسبب موضوع التصنيف يمس هذا المعنى.. وبين انه من المهم تحديد المسؤوليات لكن الاهم من ذلك النظر في الوضعية الحاصلة والسعي الى تداركها. وبين جلال غدير النائب عن النداء ان مروان العباسي من الكفاءات الكبيرة التي تحتاجها تونس لتلميع صورتها لدى المؤسسات المالية الدولية وذكر انه على البنك المركزي ان يقوم بهذا الدور وهو تلميع صورة تونس. وعبر عن ثقته في نجاح المحافظ الجديد في هذه المهمة. وذكر ان البلاد تمر بصعوبات مالية واقتصادية كبيرة رغم ان الحل موجود قربها وهو في ليبيا والجزائر وذكر ان ذلك يتطلب إزالة الحواجز المالية بين تونس والبلدين الشقيقين ويعتبر غديرة التعاون مع ليبيا والجزائر سيكون مثمرا في صورة ازالة الحواجز الترتيبية والادارية والاستغناء عن القرارات غير المدروسة. وبين انه يأمل في ان تزول المعاملات المالية وان يتم التعامل بالشيكات والبطاقات البنكية فقط. وذكر مروان فلفال النائب عن الحرة لحركة مشروع تونس انه لا يستغرب ترشيح أستاذه مروان العباسي نظرا لكفاءاته العالية، وطالبه بالنظر في وضعية البنك الفرنسي التونسي الذي هو موضوع تحكيم دولي مع مستثمر اجنبي بلغ المرحلة النهائية اي تقييم الاضرار بعد ادانة الدولة التونسية.. وذكر فلفال ان وضعية هذا البنك يمكن ان تؤثر على استقرار المنظومة البنكية برمتها. كما اقترح عليه النظر في وضعية مؤسسة بنكية فرنسية لها الجواز الاوروبي للمعاملات البنكية لكن مساهماتها تونسية ومتأتية من بنك الاسكان والشركة التونسية للبنك ونبه الى ان هذا البنك يقع تحت الرقابة المشددة من السلطات المالية الفرنسية مع التهديد بسحب الترخيص. ريبة واستفسرت مباركة عواينية النائبة عن الجبهة الشعبية رئيس الحكومة لماذا يهرب من المواجهة وذكرت انها مستغربة من صدمة الحكومة والاحزاب الحاكمة من هذا التصنيف، ودعت الرئاسات الثلاث الى ان يتذكروا أن تونس تورطت بشكل سافر في الارهاب وان يتذكروا شبكات التسفير الى سوريا وأن يتذكروا السياسيين الذين دعوا تحت قبة التأسيسي وعبر وسائل الاعلام الشباب للسفر الى الجهاد في سوريا ودعتهم الى تذكر الجمعيات الممولة للارهاب والدول التي صرفت المليارات على تلك الشبكات.. واضافت موجهة كلامها للمحافظ الجديد انها لا تثق في من له علاقة بالبنك الدولي والدوائر المالية العالمية لأنها استعمار ناعم جديد ونبهته الى ان الائتلاف الذي جاء به اتى قبله بالحبيب الصيد وبالشاذلي العياري. وبين سالم لبيض النائب عن الديمقراطية ورئيس كتلتها أنه قال منذ سنوات ان المحافظ القديم عجز على الحماية المالية والنقدية لتونس وطلب منذ سنة الفين وخمسة عشر عندما جاء بقانون البنك المركزي الكارثي بإعفائه وها ان يوم الاعفاء قد جاء وها انه اجبر على الاستقالة وهو لم يستقل من تلقاء نفسه وذكر ان هذه العملية ليست اخلاقية وهو لا يثق في الائتلاف الحاكم وبين ان تونس قرارها يتخذ في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الاوروبي وبين ان كشف هذه القضايا يتطلب رجولة سياسية لا يستطيعها تكنوقراط مثل مروان العباسي ودعا لبيض المحافظ الجديد الى حماية الدينار اولا وانقاذه وحذره من ان البرلمان الاوروبي عندما يضع تونس في قائمات سوداء فهو يكرر ما فعله الكومسيون المالي سابقا وبين ان الاستعمار الجديد هو استعمار مالي. وطلب من العباسي ان لا يكون رجل صندوق النقد الدولي ورجل صندوق البنك الدولي بل عليه ان يكون رجل تونس فقط. وبين مصطفى بن احمد النائب عن الوطنية انه عند نقاش قانون البنك المركزي سمع الخطب الرنانة المطالبة باستقلالية البنك المركزي وحظي البنك بالاستقلالية.. لكن العبرة في السياسة بالنتائج وفي عهد المحافظ الشاذلي العياري الدينار نزلت قيمته الى الثلث وحتى عندما فسر كأكاديمي لم يفهم من كلامه شيئا.. ثم تتالت الكوارث وجاءت الورقة السوداء الاولى ثم نزلت عليهم صاعقة السوداء الثانية.. وبين كريم الهلالي النائب عن افاق تونس ونداء التونسيين بالخارج انه كان من المفروض الاستماع الى مروان العباسي ليقدم خطة عمله في البنك المركزي واثر ذلك يقع التصويت على اساس البرنامج. ودعا رئيس الحكومة للحضور الى البرلمان للحديث عن الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وازمة الحوكمة التي تمت في علاقة بموضوع القافي وتصنيف تونس مما ادى الى استقالة المحافظ السابق. وطالب دائرة المحاسبات بان تقوم بتدقيق في ملفات لجنة التحاليل المالية حتى يطمئن قلبه ان كل الملفات التي فيها شبهات احيلت على القضاء. وطالب الهلالي مروان العباسي بالعمل على تلافي مشكلة انزلاق الدينار وبمراجعة قوانين الصرف التي تجاوزها الزمن وبمتابعة البنوك العمومية حتى تقوم بدورها . وبين طارق الفتيتي النائب عن الاتحاد الوطني الحر ان المحافظ الجديد مطالب بالنظر في ملفات تمويل الجمعيات المشبوهة وتلافي مشكلة تدهور الدينار وحذره من»التمرميد» الذي اضحى رياضة وطنية وذكر ان كل شيء في تونس يتم في «المهموتة» وهو لا يعرف لماذا اقيل الحبيب الصيد ولماذا اقيل الشاذلي العياري ولماذا أقيلت لمياء الزريبي وزيرة المالية وعبر عن اسفه لما حدث مع العياري واستنكر كيف تقع معاملة الكفاءات بتلك الطريقة المهينة. وحذر ان هذه الرياضة الوطنية التي تمارسها الحكومة وهي «التمرميد ستجعل الكفاءات تعزف عن العمل في الوظيفة العمومية. ودافع النائب بشدة على الشاذلي العياري وطالب الحكومة بتحمل مسؤولياتها وقال ان السفير لدى البرلمان الاوروبي كان في حالة سكر واستهزأ باجراءات بلاده واكد انه يعي ما يقوله واثار كلام الفتيتي ضحك النواب. وبين احمد الخصخوصي النائب المستقل أنه ليس له تأثير يذكر في قبول المحافظ الجديد او رفضه بالنظر الى أبجاديات السياسة والمنتصبين فوضويا وذكر انه من مصلحة تونس ان يكون المسؤول الجديد على رأس البنك المركزي التونسي مخلصا وحيادي الهوى وان يكون مستوعبا لمفهوم الدولة وعارفا بواجبها.