بكلمة قاطعة رفض رئيس الحكومة يوسف الشاهد في حوار أجرته القناة الوطنية معه ليلة أمس الأول مطلب سحب مشروع القانون المتعلق بهيئة الاتصال السمعي البصري وهو مطلب تقدمت به هياكل نقابية وجمعيات ومنظمات حقوقية، وقال لن نسحب هذا المشروع. ولا شك أن هذا الموقف سيجعل مهمة لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بمجلس نواب الشعب المنكبة على دراسة مشروع القانون منذ جانفي الماضي والتي ستشرع الاسبوع القادم في نقاشه فصلا فصلا عسيرة للغاية، وذلك أولا لأن جل الهياكل المهنية ومنظمات المجتمع المدني طالبت بكل اصرار بالسحب.. معتبرة المشروع على درجة كبيرة من الخطورة نظرا ل «تعارضه مع المكاسب التي نص عليها الدستور في مجال حرية التعبير والاعلام ومعايير تعديل قطاع الاتصال السمعي والبصري في الدول الديمقراطية»، ولأنها كشفت العديد من الثغرات في فصوله وكانت دلالاتها وبراهينها مقنعة الى ابعد الحدود.. وثانيا لأنها مدعوة الى استعجال النظر في هذا المشروع تلبية لقرار مكتب المجلس القاضي باستكمال تركيز الهيئات الدستورية قبل موفى الدورة البرلمانية الحالية، حتى أن المكتب طلب منها بطريقة غير مباشرة تأجيل النظر في مشروع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني وتكريس كل جهودها لدراسة مشروع قانون هيئة الاتصال السمعي والبصري ومشروع قانون هيئة حقوق الانسان. وكان مشروع قانون هيئة الاتصال السمعي البصري أثار ضجة اعلامية كبيرة حتى قبل إحالته على مجلس نواب الشعب.. ضجة أحدثتها الرسالة المفتوحة التي وجهتها ستة عشر منظمة وجمعية ونقابة يوم 20 جوان 2017 للرئاسات الثلاثة للتحذير من خطورة النسخة التي قدمتها وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني لرئاسة الحكومة.. وهذه المنظمات هي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان واللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الانسان بتونس ومركز تونس لحرية الصحافة والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية والجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية وجمعية يقظة من اجل الديمقراطية والدولة المدنية وجمعية البوصلة والاتحاد التونسي للإعلام الجمعياتي والاتحاد الدولي للصحفيين والشبكة الاورومتوسطية لحقوق الانسان ومنظمة المادة 19 ومراسلون بلا حدود ومنظمة دعم الاعلام الدولي وجمعية دعم الاتصال الجمعياتي.. وعبرت كل هذه المنظمات عن مخاوفها من تشتت النصوص القانونية وتجزئتها وذلك عندما قدمت الحكومة مشروع قانون الاحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية المستقلة بما أدى آليا الى فصل قانون إحداث هيئة الاتصال السمعي والبصري عن باقي الأحكام المنظمة للقطاع السمعي البصري، وقالت المنظمات في رسالتها تلك ان هذا الخيار يفتح باب الغموض والتضارب بين النصوص.. وتبلور الغموض سريعا عند اعلان الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين يوم 8 أوت الماضي عن قرارها قبول الطّعن شكلا وفي الأصل بعدم دستوريّة الفصل 33 وما تبعه من تنصيص عليه بالفصلين 11 و24 من مشروع القانون الأساسي عدد 30 لسنة 2016 المتعلّق بالأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية المستقلة.. ثم عن قرارها الصادر يوم 23 نوفمبر 2017 والذي جدد التأكيد على أن التعديلات التي ادخلها مجلس نواب الشعب على تلك الفصول لم يرفع الاشكال الدستوري عن هذا المشروع الذي يعتبر «رأس» كل القوانين المنظمة للهيئات الدستورية.. ومازال هذا «الرأس» الى غاية اليوم حبيس مجلس نواب الشعب الذي لم يتمكن من التوصل الى صياغة تساعد على تجاوز إشكال عدم الدستورية واطلاق سراح المشروع برمته بما يساعد على وضوح الرؤية. غياب التشاركية بعد احالة الحكومة مشروع القانون على مجلس نواب الشعب يوم 22 نوفمبر 2017 توجهت أربعة عشر منظمة وجمعية حقوقية وطنية ودولية برسالة ثانية للرئاسات الثلاثة للفت نظرها مرة اخرى لخطورة مشروع قانون هيئة الاتصال السمعي البصري الذي اعدته وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان على حد تأكيدها دون «سابق حوار جدي مع مختلف الاطراف المعنية به او اكتراث بما قد ينجم عن المصادقة عليه وتطبيقه من انعكاسات سلبية على حق المواطن في صحافة حرة ملتزمة بقواعد المهنة الصحفية واخلاقياتها ومحصنة ضد هيمنة مراكز النفوذ السياسية والمالية».. وشرحت تلك المنظمات في رسالتها نقائص المشروع وأوجه قصوره عن احداث هيئة تعديلية مستقلة للاتصال السمعي والبصري تكون قادرة على المساهمة في دعم عملية الانتقال الديمقراطي في تونس. وردت وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني يوم 20 ديسمبر على بيانات المجتمع المدني مؤكدة أن سن قانون أساسي يضبط الاحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية ليس من شأنه تشتيت النصوص القانونية وتجزئتها بقدر ما يكرس مبدأ وضوح القاعدة القانونية بتجميع الأحكام والمقتضيات المشتركة بين هذه الهيئات التي جمعها الدستور في باب واحد وأخضعها للرقابة والمساءلة من منطق ان الاستقلالية هي عن السلط وليس عن الدولة.. واوضحت الوزارة انها شرعت في اعداد مشروع القانون المتعلق بالقطاع السمعي البصري وفق تمش تشاركي وانها اقترحت على الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري تكوين لجنة مشتركة للغرض استعدادا لإطلاق استشارة موسعة حول هذا المشروع خلال شهري جانفي وفيفري 2018 وانها منفتحة على كل الاقتراحات الصادرة عن الهيئة ومختلف مكونات المجتمع المدني وعلى استعداد للتفاعل الايجابي معها.. لكن سرعان ما تبين لنواب الشعب خلال اليوم البرلماني المنتظم يوم الخميس الماضي بالأكاديمية البرلمانية حول مشروع قانون هيئة الاتصال السمعي البصري أن نوري اللجمي رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري وناجي البغوري رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ومحمد السعيدي الكاتب العام للنقابة العامة للإعلام التابعة للمنظمة الشغيلة غير راضيين لا على مشروع قانون الهيئة ولا على المشروع الثاني المتعلق بالقطاع السمعي البصري الذي تنكب الوزارة على اعداده. وزاد موقف رئيس الحكومة الوضع تأججا.. فالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين قررت أمس عدم التفاوض مستقبلا مع وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني المهدي بن غربية.. اما المنظمة الشغيلة التي عبرت بدروها لنواب لجنة الحقوق والحريات عن رفضها مشروع قانون هيئة الاتصال السمعي والبصري حيث طالب سامي الطاهري الامين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل خلال اللقاء الذي جمعه منذ أسابيع بنواب اللجنة بسحب مشروع القانون، فقد جددت أمس خلال المجلس القطاعي للنقابة العامة للإعلام نفس المطلب لكن هذه المرة بصرامة أكبر. فهل سيحدد هذا الموقف الصارم للاتحاد العام التونسي للشغل الذي تأخر الاعلان عنه كثيرا مقارنة بمواقف بقية مكونات المجتمع المدني مصير مشروع القانون؟ ◗ سعيدة بوهلال لوح بالاضراب العام: الكاتب العام لنقابة الاعلام يدعو الى «الاستنفار» للتصدي لكل أشكال ضرب حرية الرأي والتعبير لوح الكاتب العام لنقابة الاعلام محمد السعيدي باللجوء الى الاضراب العام في قطاع الاعلام للمشاكل التي يعاني منها الإعلام العمومي والخاص . ودعا السعيدي على هامش مشاركته في اجتماع المجلس القطاعي للنقابة العامة للإعلام أمس الى سحب مشروع القانون الأساسي المتعلق بالاتصال السمعي البصري الذي تقدمت به رئاسة الحكومة. واعتبر السعيدي ان المخاطر التي تتهدد القطاع اليوم تستوجب الاستنفار والتحرك في مختلف الاتجاهات للتصدي لكل أشكال ضرب حرية الرأي والتعبير ومحاولات تدجين الاعلام في ظل هجمة شرسة اعادت ممارسات اعتقدنا اننا طوينا صفحتها الى الأبد على حد تعبيره. وشدد الكاتب العام لنقابة الاعلام على ان النقابة قررت مقاطعة اللجان الشكلية للحكومة لانه لا يعقل ان تقدم الهياكل النقابية مقترحاتها وفي نهاية المطاف تتجاهلها الحكومة ولا تؤخذ بها بما يعكس رغبة حقيقية في الاقصاء والالتفاف .