تشهد المؤسسات التربوية التونسية التي يفوق عمرها أكثر من ستين سنة كرّا وفرّا بين سلطة الإشراف المتمثلة في وزارة التربية والنقابة العامة للتعليم الثانوي. ويبدو أن «صراع الديكة» هذا ماض في اتجاه الأزمة الحقيقة التي تهدد «المصعد الاجتماعي» وهو المدرسة العمومية. وتؤكد عديد الأطراف وخاصة النقابية منها أن المدارس والمعاهد لم تعد قادرة على الاستجابة للحد الأدنى من جودة التعليم المطلوبة. وأثار قرار الجامعة العامة للتعليم الثانوي اثر اجتماع هيئتها الإدارية أول أمس بخصوص تنفيذ إضراب حضوري كامل يوم 28 مارس الجاري بكافة المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية جدلا واسعا خاصة بعد المضي في قرار حجب الأعداد على الإدارة كوسيلة للضغط وقد تبنت الهيئة الإدارية للجامعة العامة للتعليم الثانوي الإجراء الذي سيسحب على السداسية الثانية كذلك. ونفى مرشد إدريس كاتب عام مساعد نقابة التعليم الثانوي أن يكون صدر عن النقابة أي تهديد بسنة بيضاء مؤكدا وجود أطراف تدفع نحو فرض سنة بيضاء في استهداف واضح وممنهج لضرب المدرسة العمومية. واكد ادريس على انه لن يتم استعمال التلاميذ كرهائن بل سيتم تمكينهم من اعدادهم في كل المواد وطريقة احتساب معدلاتهم. وأفاد إدريس «انه بعد أشهر من العودة المدرسية لازالت عديد الأقسام دون مدرسين في عديد المواد نظرا لغلق باب الانتدابات في الوظيفة العمومية للسنة الثانية على التوالي رغم إقرار سلطة الإشراف بوجود نقص في المدرسين يفوق 1780 مدرسا». وقال كاتب عام نقابة التعليم الثانوي انه رغم الاتفاق بينهم وبين وزرة التربية على تسوية وضعية 400 مدرس من الأساتذة النواب إلا انه ومنذ سبتمبر الماضي لم تصدر الوزارة أي قرار في خصوص هذا الاتفاق ولازال الموضوع يراوح مكانه إلى حدّ الآن وقد اثر ذلك على السير العادي للدروس وانجرّ عنه إعفاء بعض الأقسام من اجتياز الامتحانات في بعض المواد. كما حذر كاتب عام نقابة التعليم الثانوي في تصريحه ل «الصباح» من تواصل التقليص من ميزانيات المؤسسات التربوية بين 40 و50 بالمائة للسنة الثانية على التوالي ما أثر سلبا على السير العادي للتعليم وأصبحت عديد المؤسسات غير قادرة على توفير الضروريات القصوى للدروس كطبع الامتحانات مما اضطر عديد المدرسين على نسخ الفروض من مالهم الخاص. ونبه إدريس من وجود مؤشرات تؤكد ان الحكومات المتعاقبة تعمل على التخلي النهائي عن دورها في النهوض بالمدرسة العمومية وبالسير العادي للمؤسسات التربوية ودليل ذلك ما اشار اليه رئيس الحكومة في اكثر من مناسبة وفي ذلك استجابة مطلقة لشروط صندوق النقد الدولي. رفض مبدئي للصراعات.. وحول هذا الموضوع أكد سليم قاسم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم انه في الوقت الذي كان فيه الجميع ينتظر «الإفراج» عن أعداد السّداسيّة الأولى ومعدّلاتها، والتي أسفر حجبها عن حالة متنامية من التّراخي واللاّمبالاة التي لم يشهد المرفق التّعليميّ العموميّ لها مثيلا، «فاجأنا القرار الصّادم للهيئة الإدارية للجامعة العامة للتعليم الثانوي بمواصلة هذا الحجب خلال السّداسيّة الثانية، حيث لمسنا فيه استهانة صارخة بمصلحة المتعلّمين وبتضحيات الأولياء، وقراءة مغلوطة لتعاطف الجميع مع المطالب المشروعة للمدرّسين». كما اصدرت الجمعيّة التّونسيّة لجودة التّعليم بيانا امس جددت فيه رفضها المبدئيّ والقاطع لاتّخاذ المرفق التّعليميّ العموميّ، والمتعلّمين وأوليائهم، رهينة لأيّة حسابات فئويّة أو مصلحيّة ضيّقة ومُدانة. كما دعت رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة ورئيس مجلس نوّاب الشّعب، وكافّة النّواب إلى بذل كلّ المساعي الممكنة من أجل تجنيب مدرسة الجمهوريّة المزيد من الصّراعات التي أوهنتها وكادت تذهب بأركانها، الى جانب دعوة قيادات الاتّحاد إلى عدم التّفريط، تحت أيّ مسمّى، في الرّصيد الشّعبيّ الذي راكمته هذه المنظّمة العريقة على امتداد عقود من تضحيات أبنائها الصّادقين المخلصين، الذين لم يجعلوا نضالهم يوما موجّها ضدّ مكاسب دولة الاستقلال ومؤسّساتها. وكانت المنظمة التونسية للتربية والأسرة دعت إلى فتح حوار بين وزارة التربية ونقابات التعليم لحل الإشكاليات العالقة في الملف التربوي وضمان حسن سير الدروس وذلك على خلفية التباين الحاد الذي ساد مؤخرا العلاقات بين الطرفين. وطالبت المنظمة في بلاغ سابق لها بالتعقل والرشاد والأخذ بعين الاعتبار الوضع الحرج للبلاد، مؤكدة ضرورة إجراء حوار استراتيجي وطني جامع حول إصلاح المنظومة التربوية يفضي إلى صياغة رؤية وسياسة تربوية مرتبطة برؤية تنموية في إطار مسار الإصلاح التربوي وتوسيع دائرة المشاركين في العملية. تحمل المسؤولية كما دعت الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ في بيان لها أمس أصحاب القرار إلي تحمل مسؤولياتهم والتدخل العاجل من أجل حماية التلاميذ من التجاذبات التي يعرفها ملف التربية والتعليم وطمأنة العائلات التونسية على مستقبل أبنائهم من خلال إنقاذ المدرسة العمومية من حالات التدهور والارتباك وعدم الاستقرار المتواصل التي يعرفها القطاع. وشددت الجمعية على ان تكرر الإضرابات بالمدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية بغاية تسوية الإشكاليات المطروحة بين سلطة الإشراف والجامعة لا تبرر بتاتا هذه الممارسات التي حرمت الأولياء من حقهم في متابعة نتائج أبنائهم بصفة عادية وحرمان التلاميذ من حقهم في مدرسة عمومية مستقرة توفر لهم تعليما جديا والتي هي من الحقوق المكفولة دستوريا. واعتبرت الجمعية التونسية للاولياء والتلاميذ ان غياب حوار مسؤول بين وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الثانوي لا يمكنه الا ان يزيد الوضع تأزما ويحرم التلاميذ من مسار تعليمي عادي.