أعلنت هيئة الحقيقة والكرامة أنها قدمت أمس أول قضية في مسار العدالة الانتقالية إلى الدائرة القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بقابس. وتتعلق القضية بجريمة الاختفاء القسري وتعود أطوارها إلى زمن النظام السابق وستنفرد الدائرة القضائية المختصة في ابتدائية قابس بالنظر في هذه القضية التي ستمثل الخطوة الأولى في مسار المحاسبة في قضايا الانتهاكات وجرائم التعذيب والاختفاء القسري. وفي سياق متصل قرر مجلس هيئة الحقيقة والكرامة، في بلاغ له أصدره الثلاثاء الماضي أنه أعلم مجلس النواب الشعب بقراره التمديد في مدة عمل الهيئة بسنة حسب ما يخوّله لها الفصل 18 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية، على أن تنهي الهيئة أعمالها يوم 31 ديسمبر 2018، وفق رزنامة محدّدة في الغرض. وتجدر الإشارة إلى أن ضحايا الانتهاكات حقوق الإنسان المودعة ملفاتهم لدى هيئة الحقيقة والكرامة اعتبروا في استبيان أعدته الهيئة، بدعم من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بالتعاون مع المعهد الوطني للإحصاء انجز خلال الفترة بين 28 نوفمبر و13 ديسمبر 2017، في إطار الاستشارة الوطنية حول البرنامج الشامل لجبر ضرر الضحايا.. أن جبر الضرر هو بالأساس مادي وفردي، ويكون في شكل دفعة واحدة أو جراية شهرية، واختار 76.8 منهم أن يكون التعويض دفعة واحدة، وأكد 88 بالمائة من الضحايا، على ضرورة إعطاء الأولوية للمرأة في التعويض المادي مع تمييزها إيجابيا. يذكر أن لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار بهيئة الحقيقة والكرامة نظمت ورشة عمل الأسبوع الماضي حول مخرجات الاستشارة الوطنية حول اعداد البرنامج الشامل لجبر ضرر ضحايا انتهاكات حقوق الانسان، شملت 6275 شخصا وامتدّت على 8 أشهر على ثلاثة مراحل، وشملت أبرز انتظارات الضحايا من جبر الضرر. وكشفت نتائج الاستشارة وأيضا الاستبيان -والمنشورة على موقع الهيئة بالانترنيت- أن 76 بالمائة من عموم التونسيين يرون أن التعويض المالي الفردي ضروري، وتصدّر رد الاعتبار بنسبة 92.5 بالمائة، ثم كشف الحقيقة بنسبة 90.3 بالمائة وثالثا إصلاح المؤسسات بنسبة 89.6. واتفق الضحايا وممثلو المجتمع المدني على تمييز المرأة في التعويض، الذي يمكن أن يكون في شكل دفعة واحدة أو جراية شهرية أو تمويل مشاريع. وأجمعت كل النساء على أهمية التعويض المادي، وضرورة توفير الرعاية الطبية والنفسية. وأجمع المشاركون في الاستشارة على ضرورة توفير الرعاية الطبية والإحاطة النفسية والاجتماعية للضحايا والإرشاد قانوني، كما اقترحوا بعث مراكز مختصّة في إعادة التأهيل، وعبر 55.3 بالمائة من الضحايا عن حاجتهم للرعاية الطبية، فيما أكد 45 بالمائة منهم على ضرورة تمتيعهم ببطاقة علاج. جبر الضرر الرمزي اتجهت أغلب التوصيات إلى ضرورة الإدماج المهني الانتداب المباشر أو الرجوع إلى العمل مع تسوية المسار المهني، أما بالنسبة للإدماج في التعليم، عبّر 18 بالمائة من مجموع المستوجبين الذين تم انتهاك حقهم في التعليم عن رغبتهم في الرجوع إلى الدراسة. واتفق ممثلو المجتمع المدني والضحايا على أن جبر الضرر الرمزي هو كل آلية أو إجراء من شأنه أن يرد الاعتبار للضحايا ويخلّد نضالاتهم حيث أولى 78.4 بالمائة من الضحايا أهمية للأشكال الرمزية لجبر الضرر. بالنسبة لأشكال الاعتذار، تراوحت آراء ممثلي المجتمع المدني والضحايا بين الاعتذار الفردي والجماعي وبين أن يكون علنيا أو كتابيا. أما فيما يتعلق بمن يقدّمه، اتجهت أغلب التوصيات إلى أن يصدر عن القائم بالانتهاك أو عن رئيس الجمهورية، وتقاربت آراء الضحايا، 60 بالمائة، وعموم التونسيين، 59 بالمائة، في خصوص أهمية الاعتذار لجبر ضرر ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. بالنسبة للمناطق التي تعرضت للتهميش أو الإقصاء الممنهج، أوصى المشاركون من المجتمع المدني ببعث مشاريع اقتصادية وتمويل مشاريع جماعية في مجال الاقتصاد الاجتماعي التضامني. واعتبر 72 بالمائة من عموم التونسيين أن جبر الضرر الجماعي لسكان المناطق المهمشة ضروري، وأبدى 68 بالمائة منهم موافقتهم على فكرة بعث مشاريع تنموية في الجهات. وتمثلت أغلب توصيات الأحزاب والجمعيات والمنظمات في تمكينهم من التمويل العمومي واسترجاع الأملاك والارشيف. وأجمع الضحايا على أنّ جبر الضرر وكشف الحقيقة والاعتذار والمحاسبة وإصلاح المؤسسات من آليات تحقيق المصالحة الوطنية. كما أكد 87 من عامة التونسيين على أن المصالحة الوطنية تساهم في تقليص حالات الإحباط الفردي والجماعي. 84.5 بالمائة يريدون تتبع مرتكبي الانتهاكات قضائيا كشف الاستبيان أن 84.5 بالمائة من التونسيين يريدون التتبع القضائي للأشخاص الذين قاموا بالقمع والعنف في ظل الأنظمة السابقة، فيما يريد 70 بالمائة أن يتم اجبارهم على الاعتراف بمسؤولياتهم وتقديم اعتذارهم. كما أكد أكثر من 80 بالمائة من التونسيين ثقتهم في هيئة الحقيقة والكرامة، فيما أكد قرابة 77 بالمائة من العينة عن رضاهم عن أعمال الهيئة منذ إنشائها، وعبر90 بالمائة على ضرورة كشف حقيقة الانتهاكات. منهجية بثلاث مراحل يذكر أن الاستشارة أعدت بدعم من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان. واعتمدت على المنهجين الكيفي والكمي. وتضمنت ثلاثة مراحل. توجّهت المرحلة الأولى للمجتمع المدني من خلال تنظيم 6 ورشات عمل على مستوى كامل جهات الجمهورية، بهدف رصد آرائهم وانتظاراتهم من خلال انجاز أربعة محاور وهي: جبر الضرر الفردي، وجبر الضرر الجماعي، والمرأة وجبر الضرر، وجبر ضرر المنطقة الضحية. وفي المرحلة الثانية، تمّ انجاز 18 مجموعة حوارية تناولت 16 انتهاكا موجّهة لعينة تمثيلية من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان من مودعي ملفاتهم لدى الهيئة والذين تم الاستماع إليهم. فيما تضمنت المرحلة الثالثة على انجاز استطلاع للرأي عن طريق استبيان يستهدف 2045 ضحية من مودعي ملفاتهم لدى الهيئة والذين تمّ الاستماع إليهم والممثلين لجميع فئات الضحايا بالاستناد إلى جسامة انتهاكات حقوق الإنسان، واستبيان آخر يستهدف عينة تمثيلية لعموم التونسيين شملت 3044 مستوجبا. رفيق أحمد صواب: لا يمكن قبول قرار التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة من الناحية الشرعية والمشروعية قال القاضي السابق لدى المحكمة الإدارية، احمد صواب إنه «لا يمكن قبول قرار التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة، لا من الناحية الشرعية ولا المشروعية، باعتبار أن القوانين جامدة والواقع متغير»، وفق تعبيره. وأوضح صواب، في تصريح لمراسلة (وات) بصفاقس أمس على هامش ملتقى علمي حول «مكافحة الفساد : القانون الواقع والتحديات» تنظمه كلية الحقوق بصفاقس بالتعاون مع منظمة «هانس سيدل» الالمانية من 1 الى 3 مارس الجاري «أن الفصل 18 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية المتعلق بالتمديد، القاضي برفع قرار معلل الى البرلمان من قبل هيئة الحقيقة والكرامة قبل 3 أشهر من انتهاء مدة عملها يتضمن إشكالا ويتطلب تأويلا»، حسب تقديره. وعلل رأيه قائلا «إن الإشكال لا يكمن في رفع قرار معلل للتمديد من الهيئة إلى البرلمان، وإنما يكمن في إحالة القرار على المجلس البرلماني إما للإعلام فحسب من أجل القيام بالترتيبات المالية والاجرائية اللازمة للتمديد أو للمصادقة عليه من قبل البرلمان». وأفاد القاضي السابق أحمد صواب بأنه «يتبنى الرأي الثاني، أي إحالة قرار الهيئة بالتمديد على البرلمان للمصادقة عليه، وذلك لأسباب قانونية ومشروعية»، وفق تعبيره. وبين أن قرار هيئة الحقيقة والكرامة بالتمديد مآله أن يسقط قانونيا من الناحية الشكلية، وذلك لعدم توفر النصاب القانوني في عدد أعضاء الهيئة أي الثلثين، وليس الأعضاء المباشرين البالغ عددهم 9 فقط. وأضاف أن اجراء التمديد في مهام الهيئة يعد اجراء مركبا يتطلب التعليل والجدوى منه والمداولة بشأنه من قبل البرلمان للبت فيه، فضلا عن عدم توازي الصلاحيات بين السلطة الأصلية الممثلة في البرلمان والسلطة الفرعية الممثلة في هيئة الحقيقة والكرامة والتكلفة التي يتطلبها التمديد والمقدرة ب 20 مليارا. ومن الناحية المشروعية والواقعية، تساءل صواب «إن كان مردود هيئة الحقيقة والكرامة خلال الأربع سنوات الماضية لدى الرأي العام والمجتمع التونسي وعرقلتها للأحكام القضائية والاشكاليات المطروحة بينها وبين مختلف الرئاسات وعدد من الوزارات والقضاء العدلي والعسكري والإداري، يبرر قبول التمديد في مدتها النيابية أم لا». يذكر أن الفصل 18 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية المتعلق بالتمديد حدد المدة النيابية لهيئة الحقيقة والكرامة ب 4 سنوات قابلة للتمديد بسنة واحدة وذلك بقرار معلل من قبل الهيئة يرفع للمجلس البرلماني قبل 3 أشهر من انتهاء مهامها.