إذا قلنا إن أغنية "يا ليلي" لبلطي والطفل حمودة قد حققت نجاحا كبيرا فإننا لا نضيف شيئا فخبر نجاح الأغنية منتشر بين الجميع ذلك أن نسب مشاهدة الأغنية المصورة ( فيديو كليب) على موقع اليوتوب تجاوز المائتي مليون مشاهدة وهو يعتبر رقما عربيا مهما وليس تونسيا فحسب، لكن الجديد من منظورنا يتمثل في أن الأغنية تحولت إلى ظاهرة حقيقية. وقد ارتقت الأغنية إلى مستوى الظاهرة لأنها أصبحت ترافق الجمهور في كل حالاتهم. فلا ينتظر الجمهور بثها في التلفزيون أو في الإذاعة ليستمتع إلى هذه الأغنية وإنما وقع تحميلها على أجهزة الهواتف النقالة وتصادفك في كل الأماكن العمومية تقريبا، في الأسواق وفي مراكز الخدمات وفي وسائل النقل العمومي وفي كل مكان تقريبا تلتقي فيه مع الناس. فبمجرد أن يرن جرس الهاتف النقال لدى من حملوا هذه الأغنية وهم كثر، حتى يندفع صوت بلطي مرفوقا بصوت الطفل الموهوب حمودة يردد كلمات أغنية يبدو أنها سحرت ملايين الجماهير. وعادة نجد صعوبة في تفسير أسباب نجاح أغنية ما لأن المسألة ليست علمية حتى وإن كان هناك اتفاقا على ضرورة توفر مجموعة من العناصر من بينها الكلمات الجيدة واللحن الجيد والأداء الجيد حتى تنجح الأغنية لكن تبقى المسألة نسبية لأنه يمكن أن تطلق أغنية جيدة جدا ويحدث أن يكون التوقيت غير ملائم فلا تلاقي النجاح المنتظر. ونعتقد أن التوقيت هو كلمة السر بالنسبة لأغنية «يا ليلي». فالتوقيت الذي تم اختياره لترويج أغنية «يا ليلي» لبلطي وحمودة يبدو أنه لعب دورا كبيرا في النجاح الفوري للأغنية التي انتشرت منذ ظهورها في أواخر العام الماضي. فقد صادف أن تم بث «يا ليلي» التي هي إذا صح التعبير عبارة عن أغنية شعبية متضمخة بالشكوى والعتاب أو في لغة الفن الغربي:»complainte» لكن بأسلوب فن الراب في توقيت مناسب جدا فكانت ردة الفعل فورية وإيجابية. أغنية تعزف على وتر أوجاع الإنسان ففي تونس وحتى في العالم، يعيش الإنسان موجوعا ومتألما وحائرا وفاقدا للطمأنينة التي توفرها الأم أو الإنسان المقرب منه. فالعالم أصبح ماديا جدا والإنسان يشعر فيه بالغربة وبالتالي تجده ميالا لكل ما من شأنه أن يعزف على أوتار حزنه وهو تقريبا ما حصل مع أغنية «يا ليلي» التي فيها لوعة ومناجاة وشكوى للام من حالة العذاب والضياع ومن محاولات قصف الأحلام في المهد. وقد أضفى صوت الشاب حمودة الذي لفت إليه الانتباه في تونس وخارجها رونقا على هذه الأغنية التي تصف بصوت فنان الرّاب بلطي الوضع الاجتماعي البائس والوضع السياسي المريض الذي يجعل الشباب يحلمون بالهجرة وترك كل شيء وراءهم وجعلها قريبة جدا من النفوس بفضل صوت الطفولة الشاكي وبفضل قوة حضور الفنان بلطي. وكما سبق وذكرنا فإن نجاح الأغنية تجاوز الحدود التونسية وقد استنسخها عدد من الفنانين العرب والأجانب كما أن عددا من الفنانين العرب من بين المشاهير قد عبروا عن تعاونهم مع الفنان بلطي بعد نجاح أغنيته «يا ليلي» وهو أمر أكده بلطي في تصريحاته الإعلامية ونعتقد أن نجاح الأغنية ومهما اختلفت الأذواق يعتبر مكسبا للفن التونسي وللأغنية التونسية التي لم تستطع من قبل وبالوسائل التقليدية من الانتشار خارج الحدود وها هي تثأر من ذلك الماضي وتصبح حديث القاصي والداني بفضل أغنية عرفت كيف تعزف على وتر الوجع، ليس التونسي فحسب بل وجع الإنسان عامة.