هل يمكن لتونس أن تتحمل مشروعين سياسيين في آن واحد؟ فمسألة التحوير الحكومي «قد» تتعارض مع الموعد المقترح بشأن الانتخابات البلدية المقررة بتاريخ 6 ماي القادم، حيث أن نقاشات تكوين الحكومة القادمة والتوافق حول تركيبتها قد يأخذ من الوقت الكثير، بالإضافة إلى ذلك فان توقيت النقاشات بشأن الحكومة الجديدة المُحتملة من شانه أن يشوش على الحملات الانتخابية للأحزاب حيث سيذهب جل تركيزها لإعداد قائمة ممثليها في التركيبة المُحتملة للحكومة. كما أن مسالة التأجيل إلى ما بعد 6 ماي من شانها أن تطرح تراجعا في إنجاز الانتخابات البلدية أصلا وذلك بالنظر إلى استعداد التونسيين لشهر رمضان، والامتحانات الوطنية كالباكالوريا والنوفيام بالإضافة إلى عامل حرارة الطقس التي من شانها أن تشكل عائقا أمام الناخبين حتى لو تم إقرار التمديد في توقيت فتح مكاتب الاقتراع، وهي في الواقع عوامل مؤثرة في نفسية الناخب التونسي. وقد بات واضحا سعي بعض الأطراف إلى تأجيل الانتخابات التي لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تتزامن مع الاستعداد للانتخابات ولا يزال الاتحاد العام التونسي للشغل يصر على التغيير الحكومي لتجنب الانفجار الاجتماعي وتواصل الإخفاق الاقتصادي لحكومة الشاهد بعد سلسلة النتائج السلبية الواضحة من ارتفاع صاروخي للأسعار إلى انهيار الدينار إلى التصنيفات الدولية لتونس. وقد برر الطبوبي في هذا السياق موقفه بالقول «تقديرنا أن الأمر أضحى يمثّل مسألة عَاجِلَة الطّرحِ والحَلِّ وذلك في ضوء ما لَمِسْنَاهُ مِنْ سُلُوكٍ هَاوٍ لأغلب الفريق الحكومي في تعاطيه مع الملفات الهامّة والحسّاسة وما قد يكون زاد الطّين بلّة هو اعتقادنا أنّ رئيس الحكومة قَرَأ ضعفا في الحزب الذي رشّحه إلى المنصب الذي يشغله واستغلَ ما رآه مِنْ تجاذبات داخل «نداء تونس» فَعَمَدَ إلى الاستناد والاتكاءِ على الحزب الثاني «النهضة».. لكل هذه الأسباب ولغيرها رأينا أن طرحنا للمشكل يكتسي طابعا مستعجلا». وإذا كان الاتحاد لا يراهن على الانتخابات البلدية بقدر تركيزه على إنقاذ ما يمكن إنقاذه تجنبا لمزيد من المنزلقات من خلال تغيير الحكومة، فان الواقع السياسي والحزبي، وإذ يرى من ذات زاوية رؤية المنظمة الشغيلة من بوابة الإنقاذ والإصلاح، فانه يقدم أولوية إنجاز الانتخابات البلدية على التغيير الحكومي الشامل الآني وهو ما أظهره تصريح القيادي بحركة النهضة حسين الجزيري والذي صرح «انه لا يرى ضرورة لتغيير حكومة يوسف الشاهد في الوقت الحالي مضيفا» في حديث لراديو «شمس اف ام»، أنه «بعد الانتخابات البلدية هناك حديث آخر». أما بخصوص موقف نداء تونس فقد اعتبر الناطق الرسمي باسم الحزب منجي الحرباوي في تصريح لإذاعة «اكسبراس» أن حركة نداء تونس مع التحوير الوزاري الذي تم طرحه، مشيرا إلى أن التغيير وحده لن يحل المشكل وإنما وجب إعداد روزنامة معينة وخارطة طريق واضحة يمكنها حلحلة أزمات المؤسسات العمومية والانطلاق في الإصلاحات الكبرى المطلوبة حتى تكون وثيقة قرطاج مجسدة فعلا على ارض الواقع. وقد تضارب موقف الحرباوي مع موقفه زميله في الحزب عبد العزيز القطي الذي صرح «أن مسالة تغيير الحكومة مرتبطة بنتائج الانتخابات وعلى أساسها يكون التغيير» بما يعنيه ضمنيا ان «نداء» القطي مع تأجيل الحسم في الحكومة إلى ما بعد موعد 6 ماي وهو ما يتعارض مع تصريح «نداء» منجي الحرباوي الذي يرفع شعار «الآن الآن وليس غدا». وهو الموقف الذي يتبناه أيضا رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي المتخوف من أن يفقد حزبه أولوية الانتشار البلدي رغم الإمكانيات الحكومية والرئاسية المرصودة لنداء تونس بالإضافة إلى ما قام به الشاهد من اقتحام لمبدأ التوريث الذي سيعتمده الباجي قائد السبسي لفائدة المدير التنفيذي للنداء، فقد بات الشاهد مرشحا محتملا لانتخابات 2019 وهو ما أكده هو من خلال قوله «لن أترشح للانتخابات في حال قدم سي الباجي ترشحه» وهو ما يعني بالضرورة ثقة الشاهد في «منجزه الحكومي» الحرب على الفساد وهي التي لم يستشر فيها رئيس الجمهورية مما جعل قائد السبسي الأب والابن في التسلل وإلا كيف يفسر بقاء «حافظ خلال شهر ماي الماضي بالعاصمة الصينية بكين إلى أن أخذ ضمانات بان لا تشمله الحرب المعلنة على الفساد آنذاك وهو ما دفع بالنداء حينها لتجنب بطش «يوسف» في تلك الفترة بمساندة الحرب المعلنة والتخلي عن أهم ممولي النداء شفيق الجراية. الإقرار بفشل الشاهد أمر لا جدال فيه، وبقاؤه على رأس حكومة تصريف الأعمال الذي سيعلن قريبا مرتبط بتخليه عن حلم 2019 خاصة بعد ما تردد من أنباء عن تحالف غير معلن بين النهضة والشاهد، فهل يعاقب الباجي قائد السبسي حركة النهضة بتأجيل الانتخابات البلدية ويعاقب الشاهد بحرمانه من مستقبل سياسي؟