لا تزال العلاقة بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد ونداء تونس محل جدل داخل الاوساط السياسية والحزبية وذلك بالنظر الى كل ما قيل حول المحاولات المتتالية لإبعاد الشاهد من قصر الحكومة بالقصبة في اطار «حرب خفية» بين الرجل وحزبه. مقولات سرعان ما تبددت بعد ان ظهر الشاهد في صورة حملت في طياتها تأكيدا على ان الزوايا الحادة بين رئيس الحكومة والنداء لم تعد كذلك بعد أن ظهر كل من الشاهد وحافظ قائد السبسي وسفيان طوبال في صورة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في ذكرى مرور اربعين يوما على وفاة وزير الصحة سليم شاكر. وحملت الصورة عنوانا بدا واضحا مفاده لا خلافات بيننا رغم ما قيل وما حصل، اشارة لم تكن مشفرة بل كانت واضحة وضوح الشمس عمل من خلالها مروجو الصورة على تأكيد عودة الود بين الشاهد وحزبه نداء تونس اولا وبين قائد السبسي والشاهد ثانيا في وقت ارتفعت فيه حدة الضغط بين الجميع الى درجة اعتقد فيها ان رحيل الشاهد من الحكومة بات وشيكا. فحقيقة العلاقة بين النداء والحزب لم تكن بالعلاقة الجيدة سيما في تلك الفترة التي تعالت فيها اصوات من داخل النداء لدعوة الشاهد للاستقالة بعيد انطلاق الحرب المعلنة على الفساد والتي رأى فيها قياديون من النداء انها موجهة للحزب قصد تقسيمه ليتبدد هذا الوهم مع التصريح المفاجئ لمسؤول السياسات بالنداء برهان بسيس الذي اعلن صراحة عن دعم الحزب للشاهد وحكومته رغم نقاط الخلاف بين الطرفين. موقف استجاب له رئيس الحكومة قبيل الاعلان عن تركيبة حكومة الشاهد الثانية بإدراج اكبر عدد من الوزراء وكتاب الدولة من نداء تونس وهو ما طالب به الحزب في جل تصريحات قيادييه. وفي الوقت الذي عرف فيه النداء والشاهد فتورا في العلاقة تدخلت اطراف سياسية على الخط بين محاولا لتقريب وجهات النظر بين الطرفين وتجنب اي سيناريوهات مقلقة ومحاولات لتعميق الازمة اكثر، ما من شانه ان يدخل الشاهد في عزلة سياسية ونيابية ليخلق فراغا بينه وبين داعميه، فراغ حاولت احزاب ملأه عبر خلق كيان نيابي محيط بالشاهد تعويضا لخسارة ممكنة في حال تحركت ماكينة «الرفض» ودعت لإنهاء دور الشاهد وحكومته. رسائل.. لهؤلاء وفي الواقع فان الصورة المروجة للشاهد وحافظ قائد السبسي كانت تحمل في طياتها جملة من الرسائل الى اكثر من طرف سواء داخل الحكومة او خارجها. فقد كانت الرسالة الاولى مضمونة الوصول الى الامين العام لمشروع تونس محسن مرزوق الذي استثمر كثيرا في الازمة الاخيرة للنداء والشاهد، محاولا التقرب اكثر ما يمكن من رئيس الحكومة واستمالته من خلال توظيف كتلة الحرة التابعة للحزب للقيام بدور الداعم للشاهد وحث عناصرها على استقطاب اكثر ما يمكن من النواب للإحاطة بالشاهد. وعمل مشروع تونس على التأكيد على الوقوف اللامشروط الى جانب الشاهد في حربه على الفساد في وقت عبر فيه النداء عن «قلقه» من اداء الحكومة وتعاطيها مع ملف الفساد الذي وصفه الندائيون «بالانتقائي». كما حملت صورة اللقاء رسالة واضحة الى عدد من نواب الكتلة النيابية لنداء تونس انفسهم خاصة أولئك الذين غيروا وجهتهم لدعم الشاهد في وقت اعتقدوا فيه ان الحرب على الفساد قد تطال قيادات من داخل الحزب الحاكم اي من النداء نفسه الا ان ذلك لم يحصل ليبقى نواب كما هو حال انس الحطاب وغيرها في تسلل الاحداث. التحوير الجزئي للحكومة لم يقتنع نداء تونس بتسليم حقيبة الصحة الى اي حزب آخر بعد وفاة سليم شاكر، وقد رفض الحزب في البداية ان يكون وزير شؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي وزيرا بالنيابة خوفا من ان تطال مدة بقائه على راس الوزارة كما حصل بالضبط مع فاضل عبد الكافي حين عين وزيرا للمالية بالنيابة قبل استقالته من الحكومة. تفاعل الشاهد بدا واضحا وسريعا مع النداء حيث لم يمر سوى12 يوما على تكليف الطرابلسي حتى قرر الشاهد دعم استقرار وزارة الصحة بتعيين عماد الحمامي على وزارة استمات النداء في الابقاء عليها. والاكيد ان تعيين الحمامي على راس وزارة الصحة كان باتفاق ثلاثي بين النداء والنهضة ورئيس الحكومة وهو تعيين يؤكد على ان التوافق بين طرفي الحكم متواصل رغم بعض المناوشات والنيران الصديقة بين الطرفين التي سرعان ما تلاشت بعد انتخاب رئيس لهيئة الانتخابات ومن المنتظر ايضا ان يثبت التوافق ذاته مع امضاء رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي على موعد 25 مارس كموعد للانتخابات البلدية. ورقة شوكات.. ضاعت في الطريق؟ لم تكن ردة الفعل القوية من النداء والنهضة وحزب أفاق على الورقة التي نشرها القيادي بالنداء خالد شوكات الا دليلا إضافيا على تحسن العلاقة بين رئيس الحكومة وأحزاب الائتلاف الحاكم. وخلص خالد شوكات في تقييمه لعمل الحكومة إلى ضرورة الدعوة إلى حكومة جديدة. هكذا موقف رفضه الناطق الرسمي باسم نداء تونس منجي الحرباوي الذي صرح «أن الحزب متمسك بحكومة الوحدة الوطنية وبيوسف الشاهد وان النداء لم يكلف اي شخص لإجراء تقييم لأعمال الحكومة». وتطرح ورقة شوكات فرضيتين اساسيتين، الاولى هي ان النداء فكر فعلا في التخلي عن الشاهد والا لما كلف خالد شوكات نفسه عناء الكتابة والاحراج الحاصل له بعد موقف الحرباوي. اما الفرضية الثانية فتؤكد انه لا تغيير قادم لرئيس الحكومة كما راج في الكواليس حيث وضعت موعد ديسمبر لذلك وقد تبين ان بقاءه محتمل جدا. ولكن يبقى السؤال كيف اقنع الشاهد خصومه داخل النداء بإبقائه على راس الحكومة وماهي الشروط الممكنة لبقائه؟ وماهي العلاقة المستقبلية بين الشاهد ومن دعموه خلال «الوقت المستقطع» بينه وبين حزبه؟