وسط حضور فرق مسرحية أجنبية ووجوه مسرحية تونسية لم تتخلف كعادتها عن موعدها السنوي الذي صار على مدى سبعة عشرة دورة موعدا قارا لأحباء أب الفنون، افتتحت يوم الاثنين 26 مارس الجاري رسميا تظاهرة 24 ساعة مسرح دون انقطاع بالكاف التي ينظمها مركز الفنون الدرامية والركحية بدعم من وزارة الشؤون الثقافية. رغم برودة طقس الكافالعالية التي أبت هذه السنة إلا أن تستقبل مريدي المسرح وأحباءه بالأمطار الغزيرة، على غير عادة الربيع في هذه الربوع المزهرة، التقت بالكاف أعلام المسرح التونسي وثلة من مؤسسيه، كمال التواتي، توفيق الجبالي، لطيفة القفصي، محمد توفيق الخلفاوي، عاطف بن حسين... وآخرون جاؤوا لتقديم عروضهم المسرحية أو لتنشيط الورشات الفنية المتعددة التي برمجها المركز بالمناسبة والتي كانت قد انطلقت منذ الثالث والعشرين من هذا الشهر. كرنفال احتفالي مستوحى من ملاحم البطل النوميدي «يوغرطة» وتكريم لأعلام مسرحية تونسية «منفتحة على محيطها، منفتحة على جميع المشارب المسرحية»، هكذا أراد عماد المديوني، مدير مركز الفنون الدرامية بالكاف لهذا المهرجان أن يكون في كلمته الافتتاحية، ولعل أبرز ما يلفت انتباه المتابع للمهرجان، الذي ولئن تم افتتاحه يوم الاثنين 26 مارس رسميا فإن فعالياته كانت قد انطلقت منذ الثالث والعشرين من هذا الشهر هو الحضور الشبابي اللافت لأبناء الجهة إذ يبدو وأن شرارة الإبداع المسرحي التي كانت قد انطلقت من الكاف ساكنة في نفوس أبنائها متعلقة بجوارحهم وقد شارك في الكرنفال الافتتاحي الذي ملأ شوارع الكاف إيقاعا وألوانا وحركة مجموعة من الهواة ومن طلبة معهد الفن المسرحي بالكاف وأخرجته الأستاذة إيمان الصامت وتم من خلاله الاحتفاء بالقائد النوميدي «يوغرطة» وبالمعلم التاريخي والطبيعي مائدة يوغرطة الواقعة بمدينة قلعة سنان خاصة بعد إعلانها رسميا من طرف منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة على اللائحة التمهيدية للتراث العالمي لليونسكو. وفي فقرته التكريمية، وهي عادة حميدة دأب عليها المركز، تم الاحتفاء بثلاثة من أعلام المسرح التونسي وهم لطيفة القفصي، محمد توفيق الخلفاوي وكمال التواتي وقد أهدى الفنان كمال التواتي هذا التكريم للمرحوم، فقيد المسرح التونسي، المنصف السويسي فيما توجهت الفنانة لطيفة القفصي إلى كل المسرحيين وإلى مسرحيي الكافية خاصة بعبارات الشكر والتقدير على مجهوداتهم وعلى هذا التكريم، أما محمد توفيق الخلفاوي فقد اكتفى بالترحيب بالجميع في «داره» وهو ركح مسرح الكاف الذي كانت لهذا الفنان صولات وجولات على خشبته العريقة. من «الأجنة» إلى «30 سنة وأنا حاير فيك» المسرح تعبيرة حرة عن العنف الاجتماعي والسياسي والثقافي ولعل أبرز ما يميز الكاف، هذه القلعة المسرحية الخصبة التي مثلت نواة المسرح الجهوي بتونس هو محافظتها على طابعها الأول، كمخبر للتجارب الفنية والمسرحية وهو ما يحاول مركز الفنون الدرامية بالكاف المواصلة على نهجه إضافة إلى تقديم عروض مسرحية محترفة لأسماء مسرحية طبعت بمسيرتها الفنية تاريخ المسرح التونسي. وفي التربص الذي أشرف عليه الفنان عاطف بن حسين وهو تربص دام 24 ساعة تماشيا مع روح المهرجان، وشارك فيه مجموعة من الممثلين من مركز الفنون الدرامية، وانتهى بإنتاج عمل مسرحي سيعرض في هذه التظاهرة يحمل عنوان «الأجنة» نسبة إلى «الجنة» وقف الممثل المسرحي وقفة مسرحية ساخرة من أحد اجتماعات لجان الدعم المسرحي والتي سيتم الإعلان في نهايته عن القائمة النهائية للعروض المدعومة. وقد تجلى المسرح بما هو إعادة قراءة للواقع السياسي والاجتماعي والثقافي بتعبيرة جمالية فنية متفردة في أبهى صوره من خلال مجموعة من العروض الفنية ومنها عرض «30 سنة وانا حاير فيك» لتوفيق الجبالي، عرض خاض في السياسية في الثقافة في المجتمع ولم يترك ساكنا إلا وحركه واصفا حيرة المجتمع التونسي والتونسيين ما بعد الثورة بين متطلباته الاجتماعية وصراعاته السياسية وإيديولوجياته المتنافرة. في «24 ساعة مسرح» تقف الخشبة حصنا منيعا ضد كل أصوات الردة بمعانيها الاجتماعية والسياسية والثقافية، هاهنا تصير الخشبة رمزا للصمود ومساحة للفعل والمحبة، بكثير من السخاء استقبلت الكاف ضيوفها الذين ناهزوا الخمسمائة ضيف وعروضها المسرحية التي قاربت الخمسين عرضا حتى تكون على مدى هذه الأيا م القليلة في عددها الغنية في محتواها قبلة للمسرحيين ممن مختلف أنحاء العالم.