محاولة لترميم الشقوق الكبيرة التي زعزعت البرلمان طيلة الأسبوع الماضي بسبب مخلفات الجلسة العامة المخصصة للتصويت على التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة، من المنتظر أن يدعو محمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب بداية هذا الأسبوع مكتب المجلس ورؤساء الكتل البرلمانية الى جلسة مشتركة هدفها المعلن تجنب تكرار المشاهد المقرفة الى التقطتها عدسات الكاميرا بمناسبة تلك الجلسة وتسببت في تشويه صورة البرلمان. ولكن حسب ما تردد في كواليس البرلمان سيكون الاجتماع المرتقب ساخنا ، وسيكون التوافق هذه المرة عسيرا لأن كل طرف مستميت بشكل كبير في الدفاع عن موقفه ولا يريد حتى سماع الموقف المقابل. وفي كل الاحوال سيكون اللقاء عنصرا محددا، لا لمستقبل مسار العدالة الانتقالية فحسب، بل لمصير مشروع مجلة الجماعات المحلية.. لأن هذا المشروع الذي توقفت الجلسة العامة المخصصة للتصويت على فصوله فصلا فصلا يوم الخميس الماضي في ظروف استثنائية هو اليوم في الميزان، وبصرف النظر عن الأسباب الشكلية التي ادت الى توقف جلسة التصويت، رحب العديد من النواب بهذا القرار لأن هناك خوفا حقيقيا من المضي في المصادقة عليه وسط تلك الأجواء المحمومة التي خلفتها واقعة عدم التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة، ويتطلب هذا المشروع توافقا واسعا بين مختلف الكتل البرلمانية نظرا لأنه مشروع قانون أساسي وفيه خيارات سياسية جوهرية ومسائل خلافية كبيرة ويتطلب التصويت عليه موافقة مائة وتسعة أصوات. تصحيح الأخطاء من المنتظر ان يدخل ممثلو كتل الديمقراطية والجبهة الشعبية والنهضة لاجتماع المكتب ورؤساء الكتل للتعبير مرة اخرى عن تمسكهم بأن جلسة التصويت على التمديد للهيئة باطلة، وسيطلبون تصحيحها، وسيؤكدون أنه لا يمكن الهروب الى الامام والبحث عن ارضية مشتركة لهم جميعا مستقبلا تحت قبة البرلمان في صورة مواصلة التعنت وتجاهل ما حصل من خروقات في تلك الجلسة المشؤومة فموقف كتلة النهضة سبق وان عبر عنه نور الدين البحيري رئيس هذه الكتلة يوم جلسة التصويت ابدى اعتراضا على التعاطي مع هذا الموضوع بمنطق المغالبة ونبه الى ان مكتب المجلس تسرع عندما عرض المسألة على الجلسة العامة دون حصول حوار حولها وتوافقات بين الكتل وحذر من ان التسرع سيفتح على مجلس نواب الشعب بابا لا يمكن غلقه وسيضعه في مآزق لا يتمناه احد وسيمس من صورته وسمعته. وذكر انه لا يمكن لأي أحد أن يقنعه ان التصويت على عدم التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة ليس من اجل وضع حد لمسار العدالة الانتقالية، لأنه اذا كانت هناك تحفظات على أشخاص في الهيئة فهي قابلة للنقاش أما أن تصبح مطية لهدم البناية على رؤوس الجميع فهذا مرفوض. وذهب احمد الصديق رئيس كتلة الجبهة الشعبية الى ابعد من ذلك وحذر من رياح صفراء بدأت تعصف بالبلاد واعتبر الجلسة العامة الخارقة للقانون والمثلومة أي فيها شرخا، ليست بمعزل عن سياق تنقيح القانون الانتخابي وتجريم الثلب في صفحات الفيس بوك ومحاكمات المشاركين في الاحتجاجات ونبه الى وجود رغبة في طي صفحة العدالة الانتقالية وغلق قوس الثورة واعتبر أن الاختصام الذي حدث داخل المجلس سببه النص القانوني الرديء المنظم للعدالة الانتقالية. ولئن حذر الصديق حذر من الرياح الصفراء فان رئيس الكتلة الديمقراطية سالم لبيض نبه الى ان القضية اكبر من قضية هيئة الحقيقة والكرامة وقال انها قضية صراع بين من يرغبون في ان تكون تونس مزرعة خلفية تتحكم فيها مجموعة بالحديد والنار وتديرها بطرق فاشية وباستعمال كل وسائل الدولة لصلاحها وبين مجموعة أخرى تريد ان تكون تونس للجميع فيها عيش مشترك و عدالة للجميع وتتداول سلمي على السلطة وتقسيم للثروات.. أي بين شق يريد احتكار تونس لنفسه وشق اخر يريدها فسيفساء من الافكار والاحزاب والنقابات والمجتمع المدني وكل اشكال التنوع والاختلاف.. طي صفحة الهيئة في المقابل، سيدخل ممثلو كتل نداء تونس والحرة لحركة مشروع تونس وآفاق تونس والوطنية لاجتماع مكتب المجلس ورؤساء الكتل المرتقب، للدفاع عن مشروعية جلسة التصويت ومشروعية قرار عدم التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة وللتأكيد على أن صفحة هذه الهيئة طويت للأبد والتذكير بأن الجلسة العامة سيدة نفسها وللإصرار على انه لا يمكن الرجوع الى الخلف، وسيقولون انه جدير بكل الكتل اليوم أن تفكر معهم في المبادرة التشريعية التي يعتزمون تقديمها لإنقاذ مسار العدالة الانتقالية ولضمان استمراره بعد مرحلة هيئة سهام بن سدرين، لا العودة الى النقطة الصفر لأنهم لا يحبذون سماع اسم سهام بن سدرين. فهذه المرأة كما قال حسونة الناصفي ممثل الحرة لحركة مشروع تونس يوم جلسة التصويت على قرار التمديد كلما حلت في مجلس نواب الشعب قسمته الى قسمين وكلما نظمت جلسة استماع قسمت الشعب الى قسمين وكلما قدمت تصريحا صحفيا قسمت الناس الى قسمين. وحمل الناصفي بن سدرين مسؤولية تعطيل مسار العدالة الانتقالية بسبب الفضائح والخصومات والاستقالات التي تسببت فيها وبسبب تسلطها ودكتاتوريتها وحسدها ودعاها الى مصارحة الشعب والاعتراف لهم انها كانت حجر عثرة امام استكمال العدالة الانتقالية. واصر الناصفي على ان جلسة التصويت على قرار التمديد قانونية لان القانون نص على ان ترفع الهيئة قرار التمديد معللا والتعليل على حد رأي النائب جعل من اجل اقناع مجلس نواب الشعب الذي له رقابة سياسية على الهيئة كما ان المحكمة الادارية أكدت في قراراتها الثلاثة الصادرة يومي 22 و23 مارس ان الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب هي التي ترجع اليها صلاحية البت في مآل المسألة المعروضة على أنظارها. واتهم الناصفي هيئة بن سدرين بانها متعاقدة مع شركة اجنبية قال ان مالكها عراب للجيش الصهيوني وان الهيئة مكنتها من ستمائة وخمسين الف دينار، وهو نفس ما قاله سفيان طوبال رئيس كتلة نداء تونس الذي أكد ان مقر الشركة التي حصلت على هذا المبلغ يوجد في تل ابيب. وأمطر طوبال بن سدرين نقدا واستشهد وهو يتحدث عنها بكلمات لأحمد مطر مفادها «رأيت جرذا يخطب اليوم عن نظافة وينذر الأوساخ بالعقاب وحوله يصفق الذباب»، واتهمها بتبديد المال العام في اقتناء السيارات الفاخرة والسفريات الى شتى انحاء العالم وبعدم الحياد. أما مصطفى بن احمد رئيس الكتلة الديمقراطية فقال ان حصيلة عمل الهيئة تكاد تكون معدومة واذا هي لم تستطع فعل شيء في اربع سنوات فكيف ستستكمل كل اعمالها في سنة.. اجتماع مكتب المجلس ورؤساء الكتل قد ينتهي الى رأب الصدع بين الكتل البرلمانية وقد يفشل وتكون لفشله نتائج وخيمة على مشروع مجلة الجماعات المحلية المقرر الانطلاق في التصويت عليه مساء الثلاثاء القادم.