لا يقف تصريح الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، بالتأكيد، عند مستوى التوصيف لواقع البلاد، بل يُقرأ على كونه قراءة مستقبلية للتفاعلات والتراكمات التي أصبحت تعيش على وقعها تونس بدل العيش على وقع نسب النمو وانخفاض البطالة وارتفاع الصادرات، فالمسؤول النقابي كان يعي ما يقول بأن «التوترات الاجتماعية الخانقة التي تعيشها البلاد باتت تنبئ بكثير من المخاطر». وبما أنه لا يمكن اعتبار تصريح الطبوبي مجرد صيحة فزع باعتبار أن الصيحات تعددت في الآونة الأخيرة فإن حديثه عن «كثير من المخاطر» يُستشف منه شعور عام يتقاسمه معظم التونسيين بتعدد تقييماتهم واختلاف مصالحهم وبالتالي فإن الأمين العام لاتحاد الشغل، من منطلق الحث على التحرك السريع، يبحث كغيره من التونسيين عن طريق الخلاص وهو من موقعه لديه من المعطيات ما يخول له تصور نوعية المخاطر وحجمها. وربما تكون اجتماعات اللجنة الفنية للموقعين على وثيقة قرطاج آخر فرصة تتاح للخروج من وضع متأزم بما يعني الحديث عن عملية إنقاذ كان يفترض أن تكون قد بدأت مباشرة منذ جانفي 2011 لكن الانفلات الأمني ثم تشكيل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وإجراء انتخابات المجلس التأسيسي ثم تتالي الحكومات وما تخلل السنوات الماضية من عمليات إرهابية كل ذلك ألهى أولي الأمر عن القيام بواجب تمكين التونسيين من استعادة كرامتهم. ومن المفارقات أن كرامة التونسي تزداد يوميا تآكلا بفعل الزيادات في الأسعار وبما يظهره نوابه من «فصاحة» تحت قبة البرلمان أو في المنابر التلفزية ومحاولة إذكاء روح الفرقة والفتنة بين الحداثيين والإسلاميين وكذلك بفعل سياسات اقتصادية سطحية يعوزها تثمين قدرات البلاد وإمكانياتها واستقراء الآفاق. نعيش بالتأكيد حالة الفشل الجماعي وبالتالي فإن المخاطر التي يمكن تصورها ستكون من باب الخيال السياسي-الاجتماعي حيث قد يصبح، لا قدر الله، ما كان مستبعدا ومستحيلا ممكنا بل أكثر من ذلك شأنا يوميا في سياق تتابع الأحداث والتفاعلات. تصريح الأمين العام لاتحاد الشغل يعبر عن حالة نفسية وعن أقصى درجات الامتعاض وعما يختلج في نفوس التونسيين نأمل أن تشاطره مكونات النخبة السياسية رغم حالة اليأس منها لأن طريق النجاة سيُفرض علينا إن عاجلا أو آجلا.. طريق لا يكون بالهروب إلى الأمام بل باتفاق عملي على الخروج من الأزمة وعلى الإصلاح الجدي.