عاجل: هذه تفاصيل الأحكام ضد الموقوفين الثمانية في قضية التسفير    قفصة: افتتاح فعاليات الورشة الوطنية للمشاريع التربوية البيداغوجية بالمدارس الابتدائية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    مع الشروق : ترامب.. مائة يوم من الفوضى !    أخبار الملعب التونسي : غيابات بالجملة والبدائل مُتوفرة    وزير الشباب والرياضة يستقبل رئيسي النادي الإفريقي والنادي الرياضي البنزرتي    عاجل/ من بيهم علي العريض: أحكام بالسجن بين 18 و36 سنة في حق المتهمين في قضية التسفير..    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    في افتتاح مهرجان الربيع لمسرح الهواة بحمام سوسة... تثمين للمبدعين في غياب المسؤولين    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    لماذا اختار منير نصراوي اسم 'لامين جمال" لابنه؟    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    أجور لا تتجاوز 20 دينارًا: واقع العملات الفلاحيات في تونس    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    عشر مؤسسات تونسية متخصصة في تكنولوجيا المعلومات ستشارك في صالون "جيتكس أوروبا"    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسامة محمد (قيادي في الحركة الدستورية) ل «التونسية»:مسيرة اليوم مدخل لتسويق صورة تونس المتضامنة ضدّ الهمجية
نشر في التونسية يوم 29 - 03 - 2015


لا للإنقلاب على دور اتحاد الشغل
تموقعنا في المشهد السياسي دليل صمود أمام التيار التصفوي
الصيد لم يبادر بميثاق اجتماعي... ويلازم الصمت
الانسحابات من الحركة الدستورية لن تعيقنا
نحن جيل جديد يطمح إلى «تونس منيعة» ضدّ مشروع مستورد»
أجرى الحوار: فؤاد العجرودي وصفاء الشيحاوي
هو صاحب أكثر من تصريح «ناري» وصادم للكثير على المنابر التلفزية ومنها التأكيد على ان الدساترة كان بإمكانهم النزول بالآلاف الى شارع بورقيبة يوم 14 جانفي 2011 لولا احترام تطلعات الشعب والإرادة القو ية في إعادة إستقراء الماضي والحاضر معا للتموقع مجددا على الساحة السياسية في إطار ذات المشروع المنتصر للسيادة الوطنية والدولة المدنية ونبض الإصلاح والحداثة.
أسامة محمد- القيادي في الحركة الدستورية- وأحد الرافعين لراية الشباب. اعتبر في هذا الحديث مع «التونسية» ان الانسحابات الحاصلة في الحركة الدستورية لم تؤثر في عزمها على مواصلة الجهود من أجل إرساء جبهة دستورية متجذرة في إرثها ومتجددة في محيطها كما حذر من تحول العدالة الانتقالية الى انتحار جماعي يكون مدخلا لنهب خيرات البلاد واستسلامها لمشاريع هيمنة مستوردة منبها بالخصوص الى أحلام القومية العثمانية الجديدة وبعض وكلائها في المنطقة والداخل.
أسامة محمد اعتبر من جهة أخرى ان الحبيب الصيد ورث مهمة شبه مستحيلة ولم يخرج عن دائرة الصمت التي التزم بها سلفه في علاقة بحقيقة الانهيارالاقتصادي الحاصل زمن «الترويكا» داعيا في هذا الشأن الى التعجيل برفع الحظر المضروب على رجال الأعمال وتفعيل وكالة الاتصال الخارجي وصندوق 26-26 اللذين اعتبر إلغاؤهما خسارة للبلاد ولاستراتيجيات التنمية في الداخل والخارج.
الحديث الذي تناول أيضا أبعاد مسيرة اليوم -الأحد- وتفاعلات الدول الغربية مع الأوضاع في تونس الى جانب التطورات الحاصلة في ليبيا. انطلق بمستجدات «الغسيل الداخلي».
ما حقيقة المخاض الحاصل داخل الحركة الدستورية والجدل حول خلافة الدكتور حامد القروي ؟
قناعتنا أننا لم نؤسس الحركة الدستورية من منطلق تصور مثالي أو حالم بطبيعة المرحلة التي عاشتها بلادنا منذ الرابع عشر من جانفي 2011، ولا من منطلق الوضع الخاص للعائلة الدستورية باعتبارها الطرف الذي اضطلع بمهام الحكم طيلة نصف قرن، وكنا منذ البداية على وعي بدقة المرحلة وصعوبة المهام المطروحة أمامنا، وكان من الضروري أن نناضل في إطار ثلاثة محاور وهي أولا الحفاظ على الإرث الدستوري وما يمثله من رصيد فكري وسياسي اقترن بمعركة التحرر الوطني، وبناء الدولة المستقلة وثانيا تسجيل الحضور داخل المشهد السياسي الجديد تحت عنوان الحركة الدستورية ويعد ذلك في حد ذاته عنوان صمود أمام التيار التصفوي الذي أحجم عن كل تقييم نقدي علمي للمرحلة السابقة وسعي إلى إجتثاث التيار الدستوري كمدخل لضرب الجبهة الوطنية في مرحلة استبيحت فيها البلاد من طرف قوى إنفضحت اليوم أهدافها وأجنداتها ثم ثالثا تشكيل جبهة دستورية، وكان التحدي المطروح أمامنا هو توحيد الصفوف حول قراءة نقدية ورؤية مستقبلية يمكن أن تحفز مختلف مكونات التيار الوطني من أجل التفاعل الإيجابي مع استحقاقات مرحلة جديدة تتيح لا محالة الفرصة لعموم التونسيين لبناء نظام متطور منفتح قادر على الإستجابة لطموحات الشريحة الشبابية وجماهير شعبنا من المهمشين، ولا نخفي أهمية الخلافات والتباينات التي أعاقت هذه المهمة، فصراع البارونات وحرب الزعامات وتشكل مراكز القوى لا يخص الحركة الدستورية دون غيرها، بل إن الوضع الراهن يؤكد أن الساحة السياسية لا تزال تحيا على إيقاع حرب المواقع ومنطق تقاسم الغنيمة في وضع وطني وإقليمي صعب ودقيق.
في هذا السياق كان دور الدكتور حامد القروي أساسيا وبارزا وكان تشكل الحركة الدستورية من حوله في ظرف صعب أمرا طبيعيا على الرغم من الظغوطات وسيادة منطق الشيطنة والإقصاء لأهم المنابر، ولم يكن الرجل من أصحاب مطامح العودة للحكم وأعلن منذ البداية أنه يقود هذه المرحلة في إنتظار تسليم المشعل لجيل جديد من الوطنيين الحداثيين القادرين على مواجهة تحديات المرحلة الجديدة، وعلى هذا الأساس تشكلت الحركة الدستورية لتجمع في قصديتها السياسية بين همين هما الحفاظ على الإستقلال الوطني بكل ما يحمله من معاني، ثم الإسهام الفعلي في تجذير تجربة جديدة لم تجد بعد توازنها الطبيعي، ويعلم القاصي والداني أن الدكتور حامد القروي كان من القلائل الذين رفضوا منهج التصفية الأمنية للتيار الإسلامي على الرغم من أن هذا التيار بمكوناته لا يزال موضوع إحتراز داخل الساحة السياسية ولا تزال الأصوات المنادية بإقصائة عالية إلى حد الآن ومن ذلك أن المسيرة الاخيرة المناهضة للإرهاب تحولت إلى موضوع سجال سياسي وخلاف معلن عبرت عنه أطراف سياسية مؤكدة أنه لا يمكن المشاركة في مسيرة ضد الإرهاب في حضور حركة النهضة، وهذا إثبات آخر أن الإشكالات الأساسية لا تزال مطروحة إلى الآن، بل إن أشد معارضي بن علي يعودون إلى مواقفه بصدد التيار الإسلامي وهذه مفارقة نسجلها لنؤكد أننا دعاة حوار وطني وتوافق إعتبارا لدقة المرحلة التي تمر بها بلادنا على مختلف الأصعدة.
وفي هذا الإطار عبر الدكتور حامد القروي عن نيته تسليم المشعل لقيادة جديدة تكون في إنسجام كلي مع إستحقاقات المرحلة من حيث أنها تحتاج لعمل جبهوي واسع يجذر المفهوم الديمقراطي في أرضية الفكر الوطني ويعصرن أليات العمل ومناهج التنظم الحزبي لضمان النجاعة والفاعلية. وقد أكد على ضرورة الإنفتاح على التيارات والشخصيات الوطنية لبناء شكل تنظيمي جديد يضمن لتونس مناعتها أمام إستراتيجيات الإلحاق التي تمارسها قوى أجنبية عبر بعض الوكلاء المحليين.
أين يتموقع أسامة محمد، هل أنه من أنصار تجمع الدساترة تحت «نداء تونس» أو مزيد توسع الحركة الدستورية ؟
أسامة محمد يمثل الجيل الجديد، جيل الشباب في الحركة الوطنية، جيل واعي بطبيعة المرحلة واستحقاقاتها، يميز بين الطموحات الشرعية لشعبنا وبين مخططات القوى الإستعمارية الجديدة، جيل يدرك أن الحرية متى لم يكن منبتها الإلتزام الوطني إنقلبت إلى فوضى وإضعاف للدولة وإنتهاك لسيادتها، لذلك كان إلتزامي منذ البداية إلتزاما وطنيا واقعيا يسعى إلى الفصل والتمييز بين المشروع الديمقراطي للجبهة الوطنية ومشروع الهيمنة المستورد من وراء البحار، وهذا هو المفهوم الجديد الذي سنسعى جادين إلى تجسيده خلال المرحلة الراهنة، مشروع يستوعب أحلام شبابنا وطموحات شعبنا دون أن يعيده إلى الماضي المرير للإستعباد الإستعماري، فعبارة السيادة للشعب لديّ أمر مقدس لا يقبل التجزئة، فشعبنا صاحب السيادة في الداخل والخارج، وهذا الشرط هو حجر الزاوية في كل بناء تنظيمي مستقبلي، ونحن نتفاعل مع كل الأطراف التي تعبر عن إستعدادها لقبول هذه الأرضية لكي نكون بالفعل في مستوى المسؤولية التاريخية الجسيمة الملقاة على عاتقنا كجيل جديد يطمح إلى بناء تونس المستقلة والمنيعة، الديمقراطية الحداثية لتكون بالفعل مرجعية المنطقة العربية والشريك الفعلي لقوى التقدم في العالم، وأنا في هذا لا أعبر عن رأي شخصي أو عن موقف معزول، وإنما أترجم طموح تيار شبابي وطني يتواجد داخل الأحزاب وخارجها، وعليه، فإن تجديد الحركة الدستورية لن يكون في تقديري خارج هذا المسار.
إلى أي مدى أثرت الانسحابات الحاصلة في قيادة الحركة في وزنها؟
الأحزاب ليست دكاكين ولا كيانات أزلية، بل إنها أدوات ووسائط لتحقيق أهداف إستراتيجية، إما أن تتجدد وإما أن تزول، وفي هذا الإطار أسجّل بكل إرتياح أننا كمكوّن فاعل من مكونات الأسرة الدستورية والعائلة الوطنية عامة قد نجحنا في زمن قياسي في دفع عموم القوى الحية في بلادنا إلى مراجعة الأحداث وكشف خيوط المؤامرة والنهوض للدفاع عن سيادتنا الوطنية، ولم تكن المسألة لدينا مسألة إنتخابية، ولم يكن هدفنا منذ البداية العودة إلى الحكم بقدر ما تعلق عزمنا باستنفار القوى الوطنية ضد سياسات العمالة والإنبطاح لرغبات القوى الإستعمارية في العالم. ومن هذا المنطلق أعتبر أننا حققنا نجاحا سياسيا وفكريا يتجاوز لعبة المحاصصة والتفاهمات الموجهة من « الأطراف الدولية الرّاعية للديمقراطية في البلدان المتخلفة »، فتونس في حلم بورقيبة دولة ذات سيادة وليست مخبرا سكانها فئران تجارب.
أما عن الإنسحابات، فكل جسد حي له إفرازاته، وهذا أمر طبيعي ونحن نعتبر أن الإنتماء إلتزام حر، والاستقالات يمكن أن تحصل ولا تقتصر على الحركة الدستورية التي عرفت بعض الانسحابات وهي مسألة لا ينبغي تضخيمها ولم تؤثر في عزم الحزب على مواصلة الاضطلاع بدوره في الساحة الوطنية.
كيف تقيّم آداء حكومة الحبيب الصيد بعد نحو شهرين من تشكلها وطبيعة العلاقات القائمة داخلها ؟
بكل موضوعية، لقد طغى الملف الأمني على مشغل الحكومة والمجتمع والحقيقة أن السيد الحبيب الصيد لم يجد نفسه في وضع سهل بالنظر إلى ثقل إرث سوء الحوكمة والتسويات الموجهة التي أنجزتها الحكومات السابقة، وأكاد أقول بأن الرجل دفع به إلى مهمة شبه مستحيلة بناء على تفاهمات إحتضنتها بعض العواصم الغربية، ومهما يكن الأمر فإن الرجل وإن كان خبيرا بشؤون الدولة من حيث أنه إضطلع بمهام في صلب أجهزة الدولة، إلا أنه لم يقدم إلى الآن إستراتيجية واضحة تحدد الأولويات، وبقي في حالة الصمت التي إلتزم بها مهدي جمعة حول تقييم آداء الحكومات السابقة وتفسير أسباب الإنهيار الاقتصادي والمالي التي تواجهها الدولة في الظرف الراهن و سبل تجاوزها، بل إن الإتجاه نحو التداين الخارجي لا يزال قائما كأن الإرادة السياسية عاجزة عن حلحلة ملف رجال الأعمال إعتبارا لأهمية القطاع الخاص في دفع عجلة الإستثمار، بل إن السيد الحبيب الصيد لم يبادر بطرح ميثاق إجتماعي مع الأطراف الاجتماعية لإخراج الوضع الاجتماعي من حالة التوتر المعيق للإنتعاشة الاقتصادية، وبدا برنامجه مفككا حيث طلب من أعضاء حكومته تقديم روزنامة أولويات قطاعية دون التفطن إلى أن إنجاز هذه الأولويات تفترض منظومة متكاملة تأخذ بعين الإعتبار الأهداف المطروحة والإمكانيات المتاحة، يمكنني أن أذكر الجميع بأن منظومة من الآليات التي أسسها النظام السابق يمكن أن نعود إليها لرصد إستراتيجيات التنمية في الداخل والخارج وذلك مع تحييدها عن التجاذبات الحزبية لتكون آليات تكنوقراطية مستقلة فعالة في محيط دولي تسوده اللوبيات، فوكالة الإتصال الخارجي وصندوق 26-26 من ضمن هذه الآليات التي تحتاجها بلادنا في الظرف الراهن، وإني أدعو إلى إعادتها وهيكلتها وتفعيلها، خاصة وأننا نحيا منذ سنوات في المنطقة المغاربية والمتوسطية منافسة شرسة مع إقتصاديات تماثلنا في هيكلتها وفي منتوجها. أما عن العلاقات القائمة داخل حكومة الصيد ومكونات الحكومة، فنحن خارج هذه الحكومة على الرغم من أننا ساندناها من منطلق الشعور بالواجب الوطني وبخصوصية الظرف.
هناك جدل واسع حول أسبقية الأمني أم الاقتصادي لتحقيق معطى الاستقرار، كيف تنظر إلى هذه المعادلة ؟
مفهوم الأمن الشامل يسقط السؤال والإشكال الذي يحمله، فلا فصل بين الأمني والاقتصادي، فالأمر يتعلق بشرطين متكاملين، لا إستثمار دون أمن ولا إستقرار دون تنمية على أنني أؤكد أن ظاهرة الإرهاب ظاهرة دولية لها مرتكز إقليمي من الضروري أن نواجهها في إطار التعاون الدولي ومن خلال تفعيل ديبلوماسيتنا وإعلامنا للخروج من الموقف الدفاعي إلى الموقف الهجومي لنحمل كل أطراف المجتمع الدولي مسؤولياته أمام ما يحصل من إنفلات ومن تقصير سيشمل كل مناطق العالم وليست حادثة الإسقاط المتعمد للطائرة الألمانية في الأجواء الفرنسية بعد عملية شارلي إبدو إلا تأكيدا على أن الإرهاب يتهدد كل البلدان ولا يستثني مجتمعا مهما كانت هويته الثقافية وخصوصويته، لذلك، أرى من الضروري أن نركز على إحتضان تونس لمؤتمر دولي حول الأمن الشامل، تماما كما أدعو عموم التونسيين للمشاركة بكثافة في مظاهرة التنديد بالإرهاب يوم الأحد باعتبارها المدخل لتسويق صورة تونس المتضامنة ضد العنف والهمجية.
ماهي الإصلاحات التي تراها ملحة في الوقت الراهن لإخراج الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من حالة التدهور التي تتخبّط فيها منذ سنوات ؟
تعالت أصوات داعية للمحاسبة والتصفية وهي أصوات يدفعها ويتحكم فيها المنطق الإنتقامي، لا تعي دقة الظرف ولا تستوعب خصوصية الوضع الذي تمر به البلاد، وإنني أقول لهؤلاء أن منطق المحاسبة يمكن أن يمتد إرتداديا إلى مرحلة الدولة الحسينية حيث صودرت وانتزعت أملاك القبائل التونسية تحت صطوة الإستعمار العثماني وعباءة الخلافة المنتصبة في الباب العالي في تركيا، إننا نرفض منطق أكباش الفداء ونرفض الكيل بمكيالين، كما نرفض أن تتحول العدالة الإنتقالية إلى مصوغ لإنتحار جماعي يمهد الطريق لدخول لوبيات جديدة لنهب مقدراتنا بأبخس الأثمان، وأنا أعني ما أقول وأدرك جيدا حلم عودة الإمبراطورية العثمانية ووكلائها في المنطقة، لذلك أنبه الجميع إلى ضرورة التعجيل بتسوية ملف رجال الأعمال، وتسوية هذا الملف لا يمكن أن تتم دون صيغ مرتبة تمكنهم من حرية التنقل والتفاوض وعقد الصفقات وكسب الأسواق الجديدة، خاصة وأن إفريقيا تحولت إلى مجال منافسة بين التكتلات الاقتصادية في العالم، وهي تسجل نسبة نمو متسارعة منذ سنوات. وعلينا أن نتعاطي بمنهجية براغماتية مع هذا الملف وأن نجسد بالفعل المصالحة الوطنية التي تبدو اليوم ضرورة ملحة تتنافر مع الأصوات الناشزة الداعية إلى تصفية قد تستهدفها في المقام الأول. فهذه الدعوة للمصالحة هي دعوة شجاعة لمصلحة الجميع، وعلى المعنيين أن يلتقطوا الرسالة بذكاء.
تعيش تونس على وقع تداعيات عدم التوصل الى كبح جماح الإضرابات رغم شبه حالة الإجماع على أهمية هدنة إجتماعية لزحزحة الأوضاع، كيف تتفاعل مع هذه المسألة ؟
لعل من خصوصيات الثقافة السياسية التونسية الرفض الاجتماعي للتعدد النقابي، والإتحاد العام التونسي للشغل موضوع إجماع وطني باعتباره مكسب يتجاوز عموم الشغالين ليمثل إحدى ركائز التراث السياسي التونسي المميز، وهو شريك معركة التحرر الوطني، ورافد من روافد التنمية، وعلينا أن نتفهم الموقف الذي تواجهه قيادة الإتحاد في علاقة باستفحال الأزمة الاجتماعية وارتفاع نسبة التضخم وإنهيار القدرة الشرائية للأجراء، لذلك أدعو إلى عقد إجتماعي للتقدم بين الحكومة والأطراف الاجتماعية لنجعل من الإستهلاك إحدى محركات الإستثمار والتنمية، وفي هذا السياق أنبه من خطورة الإنقلاب على دور الإتحاد العام التونسي للشغل كمعدل من معدلات الإحتجاج الاجتماعي، فكل إضعاف للاتحاد سيقود إلى تفشي ظاهرة الإضرابات الوحشية وإنهيار صمام أساسي من صمامات الضبط الاجتماعي، ولقيادة الإتحاد القدرة على تلجيم بعض النقابات المنفلتة من منطلقات إيديولوجية وحسابات سياسية لا وطنية.
كيف تنظر إلى الأوضاع في ليبيا وتأثيرها على تونس، وهل يمكن لهذه الأخيرة أن تسهم في عودة الاستقرار إلى ليبيا وماهي الشروط ؟
ليبيا وفق كل المقاييس مجالنا الحيوي وعمقنا الطبيعي وعلاقتنا بالشعب الليبي علاقة إرتباط عضوي وتشابك سوسيولوجي وتاريخي، ومن الضروري أن تكون تونس اللاعب الأول على الساحة الليبية من أجل لملمة الصفوف ومن أجل حل سياسي تفاوضي يخرج الأشقاء الليبيين من حالة الإقتتال والتطاحن التي لا تخدم إلا القوى الأجنبية المتربصة بمقدرات الليبيين، ومن المؤسف أن نرى تونس والديبلوماسية الرسمية في حالة تراجع وفي حالة إحتشام في علاقة بمساعي إحتضان مؤتمر المصالحة الليبية.
كنت مؤخرا في باريس ولندن، هل يوجد وعي حقيقي لدى الأوروبيين بوجوب التحرك أكثر إزاء تونس في هذا الظرف بالذات؟
كانت لي بالفعل زيارات لعواصم أوروبية منها باريس ولندن وإتصالات سياسية مثمرة أكدت من خلالها على ضرورة تجاوز أوروبا مرحلة الإطراء الخطابي وتمجيد الثورة التونسية لتوفير الدعم الفعلي والحقيقي من أجل إنجاحها، وأكدت خلال هذه اللقاءات على أهمية تمكين بلادنا من الوسائل والوسائط الضرورية لتكون الشريك الأول للاتحاد الأوروبي والبلدان الغربية عامة. ووجدت تفاعلا من عديد الأطراف دون أن يكون هذا الموقف عاما وشاملا لعموم مخاطبيّ، فالبعض لا ينظر للمنطقة العربية إلا في سياق إستراتيجيا إستعمارية جديدة تراهن على التقسيم وإستثمار الثروات دون دعم حقيقي، وفي كل الحالات أمامنا مجال متسع للتأثير في الرأي العام الأوروبي، وإختراق هذه الجبهة من خلال مكونات المجتمع المدني.
في الختام أودّ أن أضمّ صوتي إلى صوت صديقي الأستاذ منذر ثابت من أجل تأسيس وكالة أمن قومي متعددة الإختصاصات لتجذير مفهوم الأمن الشامل ولمجابهة الأخطار على مختلف الأصعدة لتكون ذراع الدولة التونسية في الداخل والخارج من أجل ضمان إستقلالنا ومناعتنا، إن مصلحة تونس تعلو على كل المصالح الحزبية الضيقة، ودعوتي للمصالحة هي دعوة كل الوطنيين من أجل تدشين مرحلة جديدة من الأمن والإزدهار والتقدم عنوانها الأول إنعاش الأمل في المستقبل وقدرة تونس على الخروج سريعا من الوضعية الراهنة نحو واقع جديد أعتقد جازما أننا نملك كل الإمكانيات لتجسيمه بما يتلاءم مع تطلعات الأجيال الجديدة ويقحم البلاد حقا في دائرة البلدان الصاعدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.